vegan arab culture

المعنى الحقيقي لأن تكون نباتياً في عائلةٍ عربية

الأمر شبيه بمحاولة شرح معنى الغلوتين

vegan arab culture

النباتي (خاصةً في الغرب) دائما يتذكر تماماً اللحظة التي قرر فيها التحول إلى نباتي. ولدي بعض الأصدقاء في لندن الذين اتخذوا هذه الخطوة الجريئة متأثرين بأسباب عديدة ومنها أسباب بيئية (إذ أن تربية الماشية تعتبر المسبب الأكبر في انبعاث غازات الاحتباس الحراري وتراجع مساحة المسطحات الخضراء).

 

ولكن أسبابي لطالما كانت مختلفة. فأنا لم أصبح نباتية بدافع خيارٍ شخصي أو لأسباب بيئية (مع أنه سبب رائع) أو بسبب حبي للحيوانات (مع أنني أحب الحيوانات أكثر من العديد من البشر!) وإنما بسبب تجربةٍ غريبة وصادمة مررت بها في طفولتي.

 

نشأتُ في كنف الجيل الأول من عائلةٍ مغربية مهاجرة وذلك في مدينة ساسيكس في إنكلترا، مما عنى السفر إلى المغرب في كل صيف لزيارة العائلة. وحال وصولنا إلى فاس كان يتم استقبالنا باحتفالٍ كبير يضم جميع أفراد العائلة في أحد منازل والدي.

 

ومن ذكرياتي الأولى عن زياراتنا للمغرب هي المرة التي سافرنا فيها للاحتفال بتطهير أخي (نعم كان علينا القيام برحلةٍ مخصصة لهذا الغرض… تخيلوا الشرح الذي اضطررت لتقديمه إلى أصدقائي في المدرسة عن سبب الرحلة…)

 

ولقد حضر أفراد العائلة من كل مكان للمشاركة في الاحتفال والذي تزامن مع وصول أشياء مثيرة للاهتمام إلى المنزل مثل المفروشات الغريبة وأواني الطاجن الضخمة وخروفين ومجموعة من الدجاج. أذكر أن الحماس غمرني لدى رؤية هذه الحيوانات بالإضافة إلى حيوانات الشارع الأليفة… إذ شعرت أنه أصبح عندي مزرعتي المصغرة في قلب فاس!

 

أعطيت الخروفين اسمين خاصين بهما وركضت في باحة المنزل مع الدجاج كل يوم. ولكن عند حلول يوم تطهير أخي اختفى أصدقائي بشكلٍ مفاجئ. بحثت عنهم في أرجاء المنزل وسألت والدتي عنهم لكن لم يكن هناك جواب. فسألت والدي وكذلك لم يعطني إجابة. عدت إلى الباحة لعلني أجدهم وبالفعل وجدتهم… معلقين من أرجلهم بسلكٍ حديدي فيما كان رجلان يقطعان أحشاءهم بأكبر سكينٍ رأيتها في حياتي. نظرت إلى الأرض لأجد دجاجتي المفضلة تركض برأسها نصف المقطوع! عدت إلى الداخل باكيةً وأنا لا أصدق المنظر الغريب الذي رأيته، ولكن الأصعب كان اكتشاف مصدر اللحم الذي نأكله! لقد كانت تلك الطّامة الكبرى! من هنا أتت كل قطع الدجاج التي أكلتها لدى ماكدونالدز! ولا حاجة للقول أنني شعرت بالاشمئزاز.

 

منذ ذلك اليوم، لم أتناول اللحم (باستثناء بعض المرات القليلة عن طريق الخطأ).

 

ARAB - VEGAN 1 النباتي

 

ولكن شرح هذا القرار لعائلتي التي تعتبر شراء اللحم دليلاً على النضج والثروة كان قصةً أخرى. معظم العائلات في الغرب تتفهم قرار أولادها الذين ينتمون إلى جيل الألفية بعدم تناول الغلوتين، ولكن والدي لا يزال يمتلك براداً مخصصاً بالكامل للّحوم ويعتبر اللحام في حيّنا فرداً من العائلة! حتى اليوم، لا تزال والدتي تقدم لي زبديةً من شوربة الحريرة عندما أزورها متجاهلةً مكعبات اللحم التي تطفو على سطحها. وعندما أذكرها بأنني لا آكل اللحم تبدأ بالقهقهة أما والدي فيسألني “ما هي مشكلتك؟ هل أنت مريضة؟ هل لديكِ ما يكفي من المال؟”

 

إن مفهوم الأكل النباتي لا يزال غامضاً بالنسبة لعائلتي، ولهم كل الحق في ذلك. ففي الغرب ليس لدينا دراية عن مصدر اللحم الذي نأكله في معظم الأحيان. وغالباً ما يمتنع الناس عن تناول “الفيليه مينيون” إلى الأبد بعد مشاهدة فيلم Cowspiracy (ولكن قد يسترقون تناول وجبة ماكدونالد بعد ليلةٍ من الشرب)… أما في المغرب فاللحم يدخل في تفاصيل الحياة اليومية… إنه رمزٌ عن الاحتفال والترف والمتعة.

 

عندما أعود لزيارة المغرب أتجنب محاولة شرح معنى “الحمية النباتية الاختيارية” لجدّي الذي دوماً ما يقوم بقطع فخدة دجاجة من الطاجن ليقدمها لي وهو يطلب مني تناولها والاستمتاع بها… فهذا طقس من طقوس المتعة بالنسبة له. وبدلاً من رميها بعيداً باشمئزاز كما أفعل عادة أقبلها منه مبتسمة ثم أدفنها أسفل الكسكس في طبقي.

شارك(ي) هذا المقال

مقالات رائجة