حاولتُ جعل العالم أفضل في أسبوع واحد!

التغيير يبدأ في المنزل

أنا بكلّ صراحة لم أهتمّ يوماً بقضايا البيئة لدرجةٍ تدفعني للاهتمام بتحسين نمط حياتي اليوميّ. صحيحٌ أنّ هذا اعتراف سيّء، إلّا أنّه حقيقيّ.

 

ولكنّني بالرغم من ذلك أعتبرُ نفسي شخصاً لطيفاً، ولذلك فإنّ عدم اهتمامي بالتقليل من التلوّث البيئي لم يكن أمراً مقصوداً، بل كان بالأحرى لا مبالاة تجلّت على شكل تجاهل كلّي راح يطغى على كلّ شيء. ولكن في النهاية، وكما قال  إدموند بورك: “الشيء الوحيد الذي يحتاجه الشرّ حتّى ينتصر هو أشخاص جيّدون لا يفعلون شيئاً”.

 

بدأ حماسي للتغيير عندما قابلتُ أمينة عبد اللطيف، المُصمّمة التّونسيّة الشابّة التي تتبع حمية نباتية، والتي هي أفضل منّي بمراحل في كلّ شيء.

 

لقد صنعت لنفسها اسماً منذ سنوات مضت عندما بدأت بمدوّنتها خلال “الرّبيع العربيّ” بينما كانت لا تزال تعمل مع جهة ذات صلة بالنظام التونسيّ القديم في ذلك الوقت. كان مجال عملها هو الإعلانات، ولكنّها تركته لأنّها كانت تضطرُّ في عملها لكتابة إعلانات لأشياء لا تستهلكها.

 

أمّا اليوم، فقد أصبحت أمينة مُصمّمة يقصدها كلّ الناس، وهي تعمل مع عدد من الشركات الكبيرة في تونس والعالم العربيّ. وإذا تكلّمنا من الناحية العمليّة فإنّ منزلها خالٍ تماماً من القمامة، فهي لا تشتري إلا من متاجر التوفير، ولا تشتري البضائع المستورَدة، وتصنع طعامها بنفسها في الغالب! ولذلك فهي شخص جيّدٌ بحقّ.. حسب معاييري.

 

بعد أن تكلّمتُ مع أمينة، أصبح واضحاً أّنّ أمّها كانت الشخص الأكثر تأثيراً في حياتها، فهي امرأة تنحدر من أسرة فقيرة في بلدة ساحليّة صغيرة في الرأس الطيّب  تُدعى قليبيّة. كانت هذه الأمّ قد اكتسبت عاداتٍ تعتبر بحسب معايير اليوم “واعية بيئيّاً”.

 

شجّعتها أمّها التي تبلغ الآن 75 من العمر على المحافظة على نمط حياة أفضل، وهو ما كان قراراً سهلاً على أمينة التي تبنّت مع الوقت عدداً من عادات أمّها. بعد ذلك أدركت أنّها اكتسبت 20 كيلو على مرّ السنين، والأكثر من ذلك أنّ زوجها الذي لا يتقبّل اللاكتوز كان يأخذ الدواء بشكل دائم لأسباب مختلفة، ولذلك كان عليهما معاً أن يطمحا لتغيير كامل في نمط حياتهما. وبعد أن شاهدا What the Health على Netflix كان واضحاً أنّ الحمية النباتيّة الصّرفة كانت هي الحلّ.

 

حافظت أمينة على أسلوب حياةٍ صديق للبيئة لأكثر من خمس سنوات، كان من ضمنها سنة كاملة من اتّباع حمية نباتية صرفة! هذا هو السبب الذي دفعني للتكلم معها بشأن خطّتي لجعل العالم أفضل، وهي مهمّة كنّا نعرفُ أنّها أكبر منّا كلينا، ولكننا كنّا متفقتين على أنّها تستحقّ المحاولة.

 

 

في اليوم الذي تقابلنا فيه، علّمتني كيف أخبز الخبز الخالي من الغلوتين والمشتقّات الحيوانيّة – وكان مذاقه رائعاً بعكس توقّعاتي! كما شاركتني أيضاً طريقة عمل حليب اللوز، وزوّدتني برقم وعنوان تاجر محلّي يبيع جبنة التوفو المصنوعة في المنزل.

 

كانت انطلاقتي ممتازة جدّاً، ولكن تغييرعاداتي الغذائيّة لم يكن كلّ ما في الأمر، إذْ كان عليّ أيضاً أن أتوقّف عن قيادة السيارة خلال الأسبوع لأقلّل من التلوّث، وألّا أنتج نفايات على الإطلاق، وأن أستهلك المنتجات التونسيّة ذات المكوّنات المحليّة فقط، وأن أخصّصَ يوماً للخدمة الاجتماعيّة.

 

كُنت متشجّعة جدّاً للتحوّل إلى الحمية النباتية، خصوصاً وأنّني حسّاسة للاكتوز ولا أحبّ اللحوم على أيّ حال. ولكنّ أكبر معركة واجهتها كانت في عدم إنتاج النفايات، وإيجاد طريقة لمتابعة عملي اليوميّ دون استخدام سيّارة.

 

معظم الأشياء كانت صعبة عند التطبيق العمليّ، على الأقل خلال الأيام الأولى من بدئي بهذا المشروع. ربّما كانت كذلك لأنّني كنت أفرض على نفسي تغييراً كبيراً فيما يتعلّق بالطعام، ولكنّي وجدتُ نفسي ببساطة أشتهي شرائح اللحم، كما نسيت إحضار كيس التسوّق عندما ذهبتُ إلى محلّ البقالة. كما أنّني تأخرت عن العمل لأنني لم أحسب حساب التأخير الذي واجهني بسبب استخدام القطار بدلاً من سيّارتي الخاصّة. وأخيراً وليس آخراً، تبيّن لي أنّ النفايات هي أمرٌ يصعب تجنّبه بالفعل.

 

بدأت الأمور بالتحسُّن مع حلول اليوم الثالث، ورتّبت برنامجي بحيث كان لديّ الوقت الكافي للتنقّل من وإلى العمل. أبقيتُ على كيس التسوّق معي لأكون جاهزة لأيّ رحلة تسوّق مُفاجئة، وبالنسبة لإيجاد الأطعمة المحليّة والعُضوية، فقد كان أمراً في غاية اليُسر هنا في تونس. صحيح أنّه يحتاج وقتاً أطول لإيجاده أو تحضيره ولكنه عادة ما يكون أرخص من شراء منتجات مستورَدة.

 

 

لم تكفّ الصعوبات عن الظهور كلّ فترة وأخرى، مثل ذلك اليوم الذي لم أكن فيه قادرة على إيجاد منظفات ومواد تجميل غير سامّة وغير ضارّة كيميائيّاً. ولذلك لجأتُ طبعاً لصديقي Google حيث وجدت وصفات رائعة لكلّ من مواد التجميل والمنظفات، ومعظم هذه الوصفات كانت فعّالة بشكل مُدهش!

 

انتهى بي المطاف أن صنعت صابوناً طبيعيّاً استخدمته للشعر والجسم في نفس الوقت. أمّا فيما يخصّ مرطّب وبلسم الشعر فقد استخدمت زيت الزيتون الذي أعطتني إيّاهُ أمّي. أمّا فيما يتعلّق بتنظيف بيتي، فقد وجدت هذا الدليل المفيد وتعلّمتُ أنّ الخلّ الأبيض هو تعويذةٌ سحريّة موضوعة في قنّينة.

 

من ناحية ثانية، تبيّن لي أنّ عدم إنتاج النفايات هو أمرٌ شبه مستحيل لأنّ كل شيء في السوق يأتي مُغلّفاً بشكل أو بآخر، إلّا أنّني حاولتُ التقليل من ذلك قدر المستطاع من خلال أخذ أوعيتي معي. انتهى بي الأمر في نهاية المطاف بتقليل مشترياتي من المتاجر الكبيرة، والاعتماد أكثر على بسطات الشوارع والمحلات التي تعود ملكيّتها لأشخاص من المجتمع المحلي لأنّها بدت أكثر اهتماماً لتجربة تسوُّق بدون نفايات.

 

وبحلول العُطلة، حان موعد اليوم الذي خصّصته للخدمة الاجتماعيّة. كان أحد الأصدقاء قد نظّم رحلة تخييم في عطلة نهاية الأسبوع في منطقة عين دراهم الجبلية. لذلك قررت أن أعتبر تلك مهمّتي، فذهبتُ وانتهى بنا المطاف نجمع القمامة المرميّة كيفما اتّفق من قبل المخيّمين الآخرين أو الرُّعيان.

 

 

وقبل أن يعود يوم الأحد من جديد، أعتقد أنّني شعرت بنوع من الارتياح لأنّ الأسبوع الذي قسوتُ فيه على نفسي لأقوم بـ”أشياء جيّدة” انتهى. وإذا أردتُ أن أقول الحقيقة فإنّ جزءاً منّي كان سعيداً لأنّني أستطيع القيادة مرّة أخرى، فالتنقّل في المدينة كان أمراً صعباً عليّ. من ناحية أخرى لن أكون صادقة إذا قلتُ إنّ هذا الأسبوع لم يترك أثره عليّ.

 

أنا لستُ من متّبعات الحمية النباتية، ولكنّني آكل كمية قليلة من اللحم ومشتقّات الحليب والبيض؛ فذلك يجعلني أخفّ وأكثر صحّة. صحيح أنّني لم أستطع التوقف عن إنتاج النفايات، ولكنّني أحمل كيس تسوّقي وأوعيتي معي أينما توجّهت. من ناحية أخرى، توقّفتُ عن استخدام الصابون الطبيعيّ كشامبو، ولكن لفترة فقط حتّى أستطيع إيجاد بديل طبيعي يناسب شعري.

 

على كلّ حال أفترض أنّ هذه التجربة استطاعت عمليّاً أن تجعل العالم أفضل، حتى ولو كان ذلك على مستوى صغير فقط. الواقع أنّ “جعل العالم أفضل” هو شيء مُستنزِف للوقت، ولكن الوقت هو وسيلة للحصول على غاية ما في كلّ الحالات.. ولذلك فمن الأفضل قضاءهُ بعمل أشياء فعّالة ومفيدة ولو على مستوى بسيط، خصوصاً إذا كان ذلك يعني صحّة أفضل وتلوّث بيئي أقلّ.

شارك(ي) هذا المقال