ربّما سمعتم باسم “كرّوهات” إذا كنتم تعيشون في دبي أو حولها. يعرفه البعض على أنّه الشخص الذي تسبّب بوجود فنّ reggae عربيّ، بينما قد يعرفه آخرون كـ DJ ومنتج، أو ربّما كمجرّد شخص يركب سيّارة محليّة من نوع كاديلاك ويظهر في إعلانات Burberry.
عمل كرّوهات خلال العقد الماضي من الزمن في كلّ ما يتعلّق بالموسيقى. وكما يصفُ الأمر بنفسه: “كرّوهات هو مفهوم”.
بعد أن قضى معظم وقته خلال الأعوام القليلة الماضية في تنسيق الأغاني في بعضٍ من أروع حفلات المدينة، أطلق للتوّ مشروعه الفرديّ الأوّل، والذي هو عبارة عن كاسيت منوّع مكوّنٍ من تسع أغاني.
منذ عشرة سنوات في عمّان، كانت انطلاقة هذا الفنّان كويتيّ المولد والنشأة المنحدر من أصل أردنيّ فلسطينيّ. أمّا بالنسبة له فهو يرى أنّ الانطلاقة الحقيقيّة كانت قبل مولده بأعوام مديدة!
يقول كرّوهات: “كان ذلك منذ وقت طويل فعلاً، فاسم عائلتي في العربيّة هو “الحادي” وفي الأيّام الخوالي كان الحادي هو الشخص الذي يغنّي ويعزف الموسيقى للمسافرين، وجدّي الأوّل كان حادياً، وإليه يعود سبب تسمية عائلتي. كانت الموسيقى موجودةً دائماً في عائلتنا”.
ولكن هذه القصّة هي جديدة حتّى بالنسبة لمعجبيه، فمعظمهم يعرفونه كواحد من أوائل الفنّانين الذين أنتجوا موسيقى reggae عربيّة. لقد تجوّل في المنطقة لسنوات مُعرّفاً الجماهير بصوته، فاتّسعت قاعدة معجبيه مع مرور الوقت، كما تنوّعت اهتماماته أيضاً. ومنذ ذلك الوقت عزّز وجودَهُ في المنطقة كـ DJ (منسق أغاني)، وهو يأمل أن يقوم بذلك مجدّداً من خلال مشروعه الجديد، ولكن كمُنتِج هذه المرّة.
التقينا به للدردشة حول كاسيته الموسيقيّ المنوّع (يمكنكم الاستماع له هنا)، وعن بدايته في هذا المجال، بالإضافة لجميع الموسيقيّين الذين يستمع لهم ويحبّهم.
أخبرني عن بدايتك في الموسيقى
بدأت رحلتي في المنزل، حيث كنت محاطاً دوماً بالموسيقى! كان أبي مغنّياً، ولكنه مع ذلك لم يغنِّ منذ الستّينات. ثمّ بدأتُ “كروهات” بشكل رسميّ في عام 2008. كان ذلك أوّل عروضنا الرّسميّة، ولكنّي كنتُ أعزف آلة الغيتار منذ 2001 أو 2002.
ولكن بما أنّه لم يكن لدينا شبكة أنترنت في ذلك الوقت، فقد علّمتُ نفسي بنفسي، ولم يكن عزفي صحيحاً تماماً. ولأنّني كنت –أنا العسراويّ- أتعلّم العزف على غيتار يمينيّ؛ ما زلت أعزف عليه مقلوباً حتّى هذا اليوم! اعتقدتُ أنّني الوحيد الذي يقوم بذلك، ولكن مع الوقت علمتُ أنّ Jimmy Hendrix كان يعزف الغيتار بالمقلوب أيضاً، وعندها بدأ الأمرُ يصبحُ ممتعاً.
يعرفك الناس كواحد من أوائل الذين دمجوا الموسيقى العربيّة بموسيقى reggae، فما هو الذي ألهم هذا المزيج؟
ألهمتني بعض الفرق المحليّة في البداية، مثل “مصريّين”، وفرقة أخرى في البحرين تدعى “الإخوة”، وفي الكويت كان لدينا شيء اسمه “سمرات”، وهي مثل التجمّعات البدويّة التي اعتدتُ أن أقصدها كطفل حيث كانوا يعزفون الموسيقى وكان ذلك مصدراً كبيراً للإلهام.
استمعتُ لموسيقى الروك أيضاً، ولكن الأولويّة كانت لموسيقى reggae بالتأكيد. أذهلتني تماماً، وقد كان أحد أعمامي يحبّها كثيراً فعلاً. كان يجلب لي كاسيتات الموسيقى من الفلبّين، حيث كان يعيش، ولطالما شعرت بسعادة كبيرة عندما كان يهديها لي. أعتقد أن أوّل أغنية reggae كانت Buffalo Soldier لبوب مارلي، وكان ذلك كافياً لأقع في حبّ هذا النوع من الموسيقى. ثمّ بدأت مع الوقت أجد روابط بين موسيقى reggae والموسيقى العربيّة، أو بالأحرى الموسيقى الخليجيّة، فقرّرتُ البدء بتأليف هذا النوع من الموسيقى.
ما هي المراحل التي تمر بها أثناء ابتكار عمل إبداعي جديد؟
اكتشفت في مرحلة ما أنّني أُجيدُ الكتابة باللغة العربيّة، فكتبتُ بها منذ البداية. لم يكن هنالك الكثير من المحتوى العربيّ في ذلك الوقت، أقصدُ أنّنا لم نكن نعرف أنّ هنالك محتوى عربيّاً في ذلك الوقت بسبب عدم توفّر الأنترنت.
كانت الشوارع وحياتي العاديّة هي أكبر مصادر إلهامي في الكتابة، مع أنّ ذلك يبدو مُبتذلاً الآن. كنتُ أكتب عن كلّ شيء، حتى ولو كان ذلك قصّة حبّ ظريفة أمرّ بها. لم تكن كتاباتي تدور حول الحبّ فقط، بل كنت أكتب عن كلّ ما أمرّ به! مثل ذلك اليوم الذي كتبتُ فيه أغنية عن شيء لم أستطع أن أواجه به أبي كما أردت، أو عندما كتبت عن مشكلة بيني وبين مديري في العمل آنذاك!
عندما أكتب، وقبل حتى أن أخطّ السطر الأول؛ عادةً ما يكون اللحن جاهزاً في رأسي قبل أيّ شيء آخر. لذا فأنا أكتب أغنية منظّمة أصلاً بينما تكون الآلة جاهزة بين يديّ.
وما هو الذي ألهم هذا الكاسيت المنوّع؟ إنه مختلف عن أعمالك السابقة!
عندما أتيت إلى عمّان كنت أعمل على أغانٍ عربيّة كنت قد كتبتها ولحّنتها، وخلال تلك الرحلة انخرطت بالمشهد الموسيقيّ المحلّي، خصوصاً وأنّه المكان الذي شهد انطلاقتي أساساً، فهنا كانت حفلتي الأولى في عام 2005. ولذلك بدأت بإعادة التواصل مع هذا المشهد المحلّي، مع الأجيال القديمة والجديدة، وقابلت العديد من الناس.
ألهمني المنتجون الشباب حقّاً، ثمّ اخذت استراحة قصيرة من عمّان وذهبت إلى بودروم، لأعود إلى عمّان من جديد. وبينما كنت في المطار قرّرتُ أن أنتج كاسيتاً منوّعاً، وبما أنّني عرفتُ أنّه سيكون إلكترونيّاً، فقد قرّرت نشره على الأنترنت، ليكون لي ملفّاً تعريفيّاً حتّى يعرف الناس أنّني لست مجرّد DJ بل وموسيقيّ أيضاً.
علمتُ أنّ هذا الكاسيت لن يشبه أيّ شيء قدّمته من قبل باسم “كرّوهات”. إنّها طريقتي في النظر للأشياء، حتّى عندما يتعلّقُ الأمر بالأزياء والإطلالة، دائماً ما أحاول التفكير بطريقة تثير بلبلة حولي، وتجعل الناس يتساءلون عمّا يفعله “كروهات”!
لقد استمعتُ إلى حدسي. صحيح أنّه طريق عاطفيّ جدّاً، ولكنّني رسمت خطّة ومن ثمّ تبعتها. النوع الموسيقيّ ليس واضحاً جدّاً، إنّه انتقائيّ، ومن الأفضل أن يتمّ النظر إلى كامل الكاسيت كمقطع خارق واحد لـ “كروهات”.
لقد أسميتها “العائلة أوّلاً”، فهل هناك من قصّة خلف هذا الاسم؟
أتيت إلى الأردنّ لرؤية عائلتي، وأنا لا أراهم بشكل دوريّ في العادة. كنت أشعر بالجفاف، ولم أكن على ما يرام، وكأنما كنت أسأل نفسي الكثير من تلك الأسئلة الوجوديّة المتعبة.. ومن ثمّ شعرتُ بأنّ كلّ ما نحتاجه هو شعور الأسرة الدافئ، ذلك الشعور بالأمان، فالعائلة هي الوطن في نهاية المطاف.
Family First mixtape . link in bio ?? soundcloud
A post shared by Basil AlHadi باسل الحادي (@karrouhat) on
أردتُ نشر التوعية فيما يخصّ العائلة، لأنّنا أصبحنا متمحورين حول أنفسنا، وأنا أتكلم عن حياتي وعن الشباب اليوم وعن هذا الجيل – حيث لم نعد نتعامل مع الأسرة كما كنّا، ولذا أردتُ إرسال رسالة.
حصل معي الشيء نفسه تقريباً في عام 2016، كان ذلك على شكل بيان كبير أطلقته باسم “أنا أحبّ أصدقائي”، وقد حقّق انتشاراً واسعاً بحمدِ الله. وبعدها استمرّيت بقول “أحبّكم والله” وأنا أعنيها حقّاً. لقد أردت للناس أن تقول هذه الكلمات فحسب، بكل يُسر وسهولة، ودونَ الكثير من التفكير. كما تعلمون.. لا يمكنكم في ثقافتنا قول هذه الكلمات لأيّ شخص بسهولة. لا أتكلّم فقط عن قولِها لأصدقائكم أو صديقاتكم، ولكن حتّى لآبائكم! إنّنا نتجنب أقوال مثل “أحبك يا حبيبي”، فهي ليست سهلة عندنا.
ثمّ بدأت أفكر بماهيّة الرسالة التي أريدها من وراء هذا المشروع، وقرّرتُ أن أجعلها متعلّقة بالأسرة. ثمّ استخدم شادي سحره المعتاد وقام بعمل غلاف الألبوم بكلمات “الأسرة أوّلاً” مكتوبةً بأحرف عربيّة.
من هم الموسيقيّون الذين تحبّ الاستماع لهم؟
لا أحبّ هذا السؤال لأنّه ليس ثمّه موسيقيّ واحد، ليس حتّى أثنان أو ثلاثة! ولكن على سبيل المثال كانت أمّي تستمع لعايشة المرطة في المطبخ، وهناك شابّ آخر يدعى عوذ الدوخي وأنا أعتبره بمثابة أسطورة بالنسبة لي. هنالك أيضاً فِرق مثل مصريّين من مصر، وزياد الرحباني الذي أحبّه كثيراً. ومن السودان هنالك الشاب حابل أحمد، وأحمد فكرون.
بالنسبة لي أيضاً، وهو ما قد يبدو مضحكاً مع أنّ الأشخاص المقرّبين منّي يعرفون ذلك؛ لا أعتبر نفسي بديلاً عن الموسيقى الرائجة، فأنا أستمع لها أيضاً. ولكن كموسيقيّين مفضّلين، هناك الموسيقيّ المصريّ الليبي الذي أعتبره عظيماً — حميد الشاعري، وحسام حسني كاتب أغنية “كلّ البنات بتحبّك”، وأنا أعتبره مدرسة موسيقيّة بحدّ ذاته. أعتقد أنّه مثّلنا في التسعينات، وهناك هاني شنودة أيضاً، الذي أحبّه كثيراً أيضاً.