معرض فنّي ومتحف للفنّ المُعاصر في مراكش!

المدينة الحمراء بخير، وقد أخذت مكانةً مرموقة على الخريطة الفنّيّة للعالم.

لطالما كان المغرب، وبخاصّة مدينة مراكش، نقطة هامّة لالتقاء الصُّنّاع وتجّار الصحراء من جميع أنحاء أوروبا للاجتماع والمتاجرة بالبضائع، ولكن هل ينطبقُ هذا على الفنّ المُعاصر يا تُرى؟ ليس تماماً. على الأقل حتّى الأسبوع الماضي.

 

في الرابع والعشرين من شهر فبراير، وبعد طول ترقّب؛ تمّ افتتاح متحف للفنّ الإفريقيّ المُعاصر (Al Maaden MACAAL) كأوّل منظمة غير ربحيّة من نوعها في شمال أفريقيا. يبدو المتحف كمتاهةٍ تمتدُّ على مساحة 900 متر مربّع، تعجّ بأعمال مختلفة من الفنّ المُعاصر.

 

مراكش
Courtesy of Museum of African Contemporary Art Al Maaden

 

“أهمّ شيء هو جعلُ الفنّ في مُتناول جميع الناس” على حدّ وصف عثمان الأزرق، رئيس المتحف، خلال لقاء صحفيّ لاستعراض هذه المساحة الشاسعة والمترامية الأطراف التي تشعر فيها بالدفء مع ذلك. تتألّف مجموعة MACAAL  من أعمال مُقتناةٍ على يد والد عثمان، وهو المطوّر العقاريّ المغربيّ ومقتني الفنون علامي الأزرق. “إنّه يقتني الأعمال الفنّية منذ أكثر من أربعين عاماً” يقول عثمان قبل أن يركّز على أنّ المجموعات الجديدة من الفنّ المُعاصر مثل الفيديوهات والاعمال المركّبة والصور الفوتوغرافيّة هي من إضافاته هو، كمقتنٍ صاعد يشقّ دربه بتؤدة.

 

مراكش
Credit Saad Alami

 

على إثرَ الإعلان عن إلغاء معرض Marrakesh Biennale السابع، انتظر الناس بينما يضعون أيديهم على قلوبهم أن يروا الشيء الجديد الذي سيأخذ مكانه، ولم يطل الوقت حتّى دخلت النسخة المراكشية الافتتاحية من إصدار معرض 1-54 للفن الأفريقي المُعاصر! افتتح المعرض العالميّ المتنقّل في نيويورك بعد لندن، دولته الأم، وها هو ذا الآن يفتح أبوابه في فندق La Mamounia في مراكش لتتدفّق الأعمال الفنّية المعاصرة قبل يوم واحد من الإطلاق العالميّ لـ MACAAL! استراتيجيّة بتوقيت ممتاز وتخطيط مُتكامل جعلت المدينة الحمراء تبدو وكأنّها نسخة أكثر استرخاءً (ولكن مع طنين خفيف موروث) عن Art Basel.

 

مراكش
Credit Saad Alami

 

ولكن ما يميّز مؤسّسة مثل MACAAL والمعارض الفنّية الشبيهة بـ1-54 هو أنّها ترتفع بعيداً عن عالم الأوساط الفنّية. إنّ مجرّد جمع فنّانين من مختلف دول أفريقيا في مكان واحد، وتمكينهم من التعاون؛ هي فكرة ثوريّة بحدّ ذاتها. “الفنانون الإفريقيّون غالباً ما يلتقون في باريس أو لندن أو برلين أو نيويورك، بينما تندرُ لقاءاتهم في القارة نفسها بالرغم من كونهم متقاربين جدّاً على الخريطة” كما يقول عثمان، الذي يضيف: “وحتّى على الصّعيد العمليّ، فإنّ كلفة السفر بالطائرة بين أفريقيا وأوروبا تبقى أرخص من السفر ضمن القارّة نفسها. نريد أن ندمّر هذه الحدود التي تفصل دولنا عن بعضها، وأن نجلب النور والأمل من خلال الرّسائل التي ننشرها، لأنّ أفريقيا بحاجة لذلك، والمغرب بحاجة لذلك”.

 

مراكش
Credit Saad Alami

 

يبدو بناء معرض MACAAL وكأنّه دوّامة حقيقيّة. زوايا ضيّقة، ومساحات معتمة من المدينة الملتفة، مترافقةً مع صوت المغنّية الإيطاليّة آنا رايموندو التي تحاكي ضجّة مراكش وصخبها اليوميّ. أمّا المُتحف الذي يمتزج مع جغرافيا المدينة المحيطة فهو ينقسمُ لقسمين للعرض.

 

تجدون في الطابق الأرضيّ موطناً الأعمال التي تجسّدُ الحياة الأفريقيّة أفضل تجسيد تحت عنوان Africa Is No Island إنّه معرض تصوير فوتوغرافي تُعرَضُ فيه أعمال أربعين فنّاناً صاعداً، بالإضافة لفنّانين مرموقين من القارّة. بينما يستضيف الطابق العلويّ جزءاً من المُقتَنيات الفنيّة الدائمة التي تصل لحوالي ألفَي لوحة، ممّا يتيحُ الفُرصة أمام الضيوف للحصول على لمحة مختارة بعناية عن التراكيب الفنية والأعمال المصورة والنحتيّة التي تضمّ تشكيلة مميّزة تسمّىUn diner en ville, 2018  لـ Zbel Manifesto. تصطفّ اللوحات في غرفة طعام تشبه الرحم، من الأرض للسقف بأشكال فنّية مصنوعة من القمامة المجلوبة من شتّى أنحاء أفريقيا، لافتة النظر لأهمّية هذه المسألة وخطورة واقع النفايات والقضايا البيئيّة في القارة (مُترافقة مع غناء Maria Callas المثير للقشعريرة).

 

مراكش
Credit Saad Alami

 

“أريد أن يسترجع الناس مساحة محايدة للتعبير. نحن نعطي مساحات نخبوية وتجاريّة في المغرب، ولكننا تعمّدنا أن نجعل متحفنا مجّانياً، كما وفّرنا واسطة نقل مجّانيّة من المدينة إلى مكان المعرض” كما يقول عثمان قبل أن يشرح أن سائقي سيّارات الأجرة المحلّيين كانوا من أوائل الناس الذين ألقوا نظرة على المكان الجديد. إنّها مبادرة شعبيّة أخذتها العائلة للتواصل مع المجتمع. “نحن نأكل الكسكس مع أناس مختلفين من المجتمع المحلّي كلّ نهار جمعة، وذلك لكي نجلب بعض الذين لا صلة لهم بالثقافة، إلى الثقافة”.

 

macaal.org

شارك(ي) هذا المقال