هناك اليوم ما يزيد عن 2.1 مليون مواطن لبناني في الشوارع، أما الجزائريون فقد انتفضوا بالملايين يوم 16 فبراير 2019 وما زالوا يحتجون حتى الآن، وكلتا الدولتين تقاتلان نظاماً سياسياً تعتبرانه ظالماً وفاسداً. أما في العراق، الذي يمتلك رابع أكبر احتياطي للنفط في العالم، فقد خرج المواطنون إلى الشوارع لمحاربة الفساد والبطالة والخدمات العامة غير الفعالة، وقد تمت مواجهتهم بالعنف.
إن القاسم المشترك بين كل هذه الحركات هو الظلم وعدم المساواة الاجتماعية، مما أثار بدوره نداءات فورية للتغيير.
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par Michèle Aoun (@shamelesslights) le
هل يمكن لهذه الحركات أن تطرح تساؤلات حول الشكل المعاصر للديمقراطية؟ خاصةً وأن الشكل المثالي للديمقراطية الحالية تطغى عليه الصبغة الغربية التي تهيمن عليها الانتخاباتٍ النزيهة.
ومع تأييد نصف الناخبين الأمريكيين في الوقت الحالي لعزل ترامب، واستلام بوريس جونسون كثاني رئيس وزراء غير منتخب في المملكة المتحدة، ووجود حركة “السترات الصفراء” الفرنسية، يبدو أن الهيكليات الديمقراطية في الغرب لم تعد جيدة بما فيه الكفاية.
بعد فوز البروفيسور قيس سعيد، أستاذ القانون الذي تعهد بمكافحة الفساد وتعزيز العدالة الاجتماعية، في الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر وهزيمته للإعلامي الشهير نبيل قروي، وصفت صحيفة واشنطن بوست الفوز بأنه “قصة نجاحٍ ديمقراطي”، مما أثار جدلاً حول ما إذا كان مستقبل الديمقراطية “يكمن خارج الغرب”.
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par فرانس 24 / FRANCE 24 (@france24_ar) le
الغربيون غير راضين عن الديمقراطية في بلادهم
قال وينستون تشرشل عام 1947: “الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكومة باستثناء كل الأشكال الأخرى”، ولكن من مظاهرات “السترات الصفراء الفرنسية” إلى تمرد مناصري البيئة في المملكة المتحدة، من الواضح أن هناك استياء متزايد من الديمقراطية الليبرالية التي كانت تُمارس في الغرب. وبالتالي يمكننا القول أن شكل الديمقراطية المطبق في معظم الدول الغربية لم يعد كافياً.
لا تسيئوا فهمي، ففرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ليست أنظمة استبدادية مباشرة. ولكن منذ أواخر القرن العشرين، أصبحت سياسة تلك الدول تحت سيطرة الرأسمالية العالمية ذات التوجه المالي. هذا يعني أنه على الرغم من أن المواطنين مدعوون للمشاركة في النقاش العام، إلا أن الحكومة في السلطة لا يزال يتعين عليها حماية المصالح االشخصية ذاتها – والتي تصب في النهاية في صالح النخبة.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه على الرغم من أن الغرب قد واجه أسوأ أزمة مالية له منذ عام 1931 في عام 2007، لكن يبدو أن أسس نظامه النيوليبرالي قد بقيت على حالها دون أي تحدٍّ يذكر. أما في العالم العربي فقد أدت المظاهرات إلى طرد الزعماء الذين يدّعون بأنهم ديمقراطيين: بوتفليقة وعمر البشير ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي قدم استقالته مؤخراً. وبهذا يبدو أن العرب يتحدّون مفهوم الديمقراطية الآن باستثناء الدول ذات الأنظمة الملكية الحاكمة في المنطقة.
فشل الديمقراطية متعددة الأعراق
مع تزايد تنوع المجتمعات الغربية، يمكن للمرء أن يفكر بسذاجة أنها ستتطور إلى مجتمعاتٍ أكثر شمولية. ولكن هذا الشهر في فرنسا، طلب السياسي جوليان أودول من امرأة محجبة كانت ترافق ابنها في رحلة ميدانية في المجلس الإقليمي، أن تزيل حجابها بحجة أنها لا تحترم القيم العلمانية الفرنسية.
🔴 [RT]Au nom de nos principes républicains et laïcs, j’ai demandé à @MarieGuiteDufay de faire enlever le voile islamique d’une accompagnatrice scolaire présente dans l’hémicycle. Après l’assassinat de nos 4 policiers, nous ne pouvons pas tolérer cette provocation communautariste pic.twitter.com/3WzqDEC3nn
— Julien ODOUL (@JulienOdoul) October 11, 2019
فإذا كانت الديمقراطية الليبرالية تعزز المساواة وفق مزاعمهم، فلماذا تتسبب في نفس الوقت بشعورٍ من التجاهل والضعف لدى الكثير من المواطنين؟
ظهور ديمقراطيات جديدة وصحية خارج الغرب
حاولت الديمقراطيات الغربية باستمرار أن تنفذ وبقوة نموذجها التقييدي للديمقراطية في الخارج، مما يعني رفض “الاختلاف”، وغالباً ما يكون ذلك على حساب القيم الأخلاقية البحتة والقانون.
لكن الحركات التي نشهد ظهورها في المنطقة (وفي أماكن أخرى مثل التشيلي والبرازيل وفنزويلا وألبانيا وروسيا، على سبيل المثال) تُظهر أن الشباب خارج الغرب على استعداد لكسر هيكليات وبنيات كاملة بشكلٍ جماعي، وبناء مجتمعات لا يوجد فيها مصطلح “نحن” مقابل “هم”، إذ يوجد “نحن” فقط.
بالنسبة للكثيرين حول العالم، لم يعد الغرب هو “مدينة الذهب”. ويبدو أن هناك طريقة أخرى خارج حدود الغرب (ونأمل أن تكون أفضل).
تصوير Michèle Aoun