لستم مُغتربين.. بل مُهاجرين!

نأسفُ لتحطيم آمالكم!

لستم مُغتربين بل مهاجرين لم يتمّ استيعابهم! مهاجرين يتميّزون ببشرة بيضاء أو ثروة كبيرة.. أو بالأمرين معاً في بعض الأحيان! أعلم أنّ كلامي قد يبدو جارحاً وقاسياً إلى حدّ كبير، ولكن اسمحوا لي أن أشرح رأيي.

بدايةً، لطالما كانت القدرة على الاختيار أحد العوامل الفاصلة بين المغتربين والمهاجرين ، فالناس تفهم أنّ المُغترب يختلف عن المهاجر العاديّ، بل يُنظر إلى المغتربين على أنّهم مواطنون عالميّون اختاروا الهجرة لأنّهم أرادوا ذلك ببساطة.

ولكن هذا المنطق يفترض أنّ المهاجرين لم يملكوا أيّ قرار، وذلك خاطئ بشكل قطعيّ.

لا شكّ أنّ الاختيار مُتاح دائماً، ولا يمكن لأحد أن يهاجر دون أن يقرّر ذلك فعلاً. وهذا يعني أنّ النقاش الدائر حول فيما إذا كان المغتربون مختلفين أو “أفضل” من المهاجرين العاديّين لأنّهم اتخذوا قراراً بشأن هجرتهم هو نقاش خاطئ بالأساس. فالقرار الذي يتّخذه محامٍ يعمل في مجال الشركات للانتقال إلى هونغ كونغ لدعم مسيرته المهنيّة، ليس مختلفاً عن ذلك القرار الذي يتّخذه أبٌ عازمٌ على الهجرة إلى أمريكا للعمل كبوّاب من أجل مساعدة أولاده.

الفرق الوحيد بين المثالين المذكورين أعلاه هو مستواهم التعليميّ ومهاراتهم، وهو ما ينعكسُ على نوع العمل الذي يزاولونه. ولكن السبب الكامن وراء اتخاذهم لقرار السفر هو نفسه بلا شكّ. ففي نهاية المطاف المحامي والبوّاب هما مهاجران يندرجان تحت مسمّى “هجرة العمالة”، مع فرق واحد وهو أنّ أحدهما يحصل على أجر أعلى من الآخر.

يكمن الفرق الحقيقيّ بين المغترب والمهاجر في نظرة الناس إليهما – وليس أكثر! لقد خلقنا هذه الأنواع من المهاجرين لنفرّق بين الناس بناءً على ثروتهم وطبقتهم الاجتماعيّة. وإنّ وجود مصطلح “مغترب” بحدّ ذاته يعطي الشّرعيّة  لهذا التمييز الطبقي. وإن لم يكن ذلك مقصوداً بهذه الكلمة بالأساس؛ إلا أنّ استخدامها الحاليّ هو كذلك بالتأكيد.

يذكّرنا مصطلح “مغترب” بنسخة من “مواطني العالم” من أولئك القادرين على العيش في أيّ مكان قد يرغبون بالعيش فيه، مختلطين بالثقافات المحليّة على نطاقٍ عالميّ واسع. ولكن كلّ من اقترب من هؤلاء المهاجرين يعرف أنّ الحقيقة مختلفة تماما ًعن ذلك.

إنهم لا يميلون لمناصرة التنوّع بل يتشبّثون ببيئاتهم، ويعيشون في فقاعاتهم الدوليّة بينما يقيمون في مجتمعات مسوّرة يرسلون فيها أطفالهم إلى مدارس باهظة التكاليف، مبتعدين أكثر عن الثقافة المحلّيّة في كلّ خطوة جديدة.

وفي أيّ سياقٍ آخر، سيتمّ شجب وانتقاد هذا الافتقار الواضح للاندماج.

ولكن في هذه المرحلة يلعب العِرق دوراً كبيراً، فهو السبب وراء نُدرة وصف أصحاب البشرة البيضاء من الأوروبيّين والأمريكيّين بالمهاجرين. يتمّ النظر إليهم في الغالب على أنّهم “مغتربين” وخصوصاً عند سفرهم باتّجاه البلدان النامية. يتمّ تصحيح هويّتهم غالباً، في الوقت الذي يعتمد فيه تصنيف الأشخاص من غير البيض بحسب السياق الذي يهاجرون إليه، بالإضافة لطبقتهم الاجتماعيّة.

خذوا دبي على سبيل المثال، إنّها مدينة مبنيّة على المهاجرين. إذْ يتمّ عادة إصدار تأشيرات طويلة الأمد لمعظم الأشخاص من أجل العمل فقط أو لأسباب عائليّة، لذلك فمن الآمن افتراض أن يكون الشخص إمّا مهاجراً للعمل أو متواجداً للانضمام لزوج أو لوالدٍ على رأسِ عمله هو الآخر.

ومع ذلك، وبدلاً من تصنيف الجميع على هذا النحو؛ هناك فجوة كبيرة بين المجتمعات، خصوصاً عندما يقدّم إنسانٌ نفسه كمُغترب (يكون غالباً من ذوي البشرة البيضاء، أو العمّال الغربيّين المهاجرين، أومن الطّبقة العُليا، أو من العرب أو الآسيويّين الأثرياء)، وفي نفس الوقت يقدّم آخرُ نفسَه على أنّه عامل مُهاجرٌ أو مجرّد “شغّيل” ينحدر غالباً من أصول جنوب آسيويّة.

يتم النّظر إلى المجتمع الأخير، من ذوي البشرة الملوّنة ومن غير المهاجرين الغربيّين في جميع أنحاء العالم، على أنّه أقلّ أهميّة، وذلك بسبب مكانتهم الاجتماعيّة وعرقهم، ولأنّهم يعيشون في أحياء فقيرة مثل” ديرة”، حيث خلقوا بيئة ثقافيّة واقتصاديّة خاصّة بهم – علماً أنّه يتمّ انتقادهم بشكل دائم على عدم اندماجهم بالمجتمع.

من ناحية أخرى فإنّ مجتمع المغتربين، وبالرّغم من أنّهم يعيشون داخل فقاعة خاصّة يحيطون بها أنفسهم، يتمّ النظر إليهم على أنّهم أعلى مكانة! ويبقى السؤال: هل نستطيع يا ترى أن نتّفق على اعتبار الجميع إمّا مهاجرين أو مغتربين؟ لأنّ المغتربين الآن هم بالأساس مجرّد مهاجرين لم يتمّ استيعابهم، ولا يمكننا لومهم على عدم انخراطهم في مجتمعاتهم!

بناءً على كلّ ما سبق، ما من شكّ أنّكم لستم مُغتربين، ولكنّكم مهاجرون بيض البشرة أو أثرياء، أو أنّ لديكم الأمرين معاً.

شارك(ي) هذا المقال

مقالات رائجة