Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

هل سنتوقف يومًا عن قرصنة الموسيقى؟

ربما، ولكن ليس لأجل سبوتيفاي.

إنه صيف 2019، في منتصف النهار تقريباً في شارع شفشاوني، وهو أحد أكثر شوارع فاس شهرة وحيوية، حيث استبدل المسنون ملابس العمل الملطخة بالجلابية التقليدية من أجل حضور خطبة يوم الجمعة في المسجد، في حين اجتمع شباب الحي حول المقهى وهم يستمعون إلى الموسيقى ويدخنون السجائر.

في محاولة للتخلص من الضجيج الناجم عن خدمة الغداء، شربت قهوتي في الخلف، وبطريقة ما وجدت نفسي منسقاً للموسيقى لمدة ساعة من الزمن، وبناءً على طلب شعبي، قمت بتشغيل معزوفة لفرقة Erkez، وهي فرقة تونسية مشهورة تتمتع بشعبية منقطعة النظير، إلا أنّها غير معروفة على تطبيق سبوتيفاي.

بالطبع، تبع ذلك ضحكات ساخرة أعقبتها تعليقات ماكرة تسخر من استخدامي لتطبيق سبوتيفاي. على كل حال كنا في مقهى، حيث تبدأ كل نقاشات شمال أفريقيا. اليوم؟ لماذا تدفع مقابل خدمة لها العديد من البدائل المجانية؟

في ذلك اليوم وفي شارع شفشاوني تمت معالجة الأسئلة والشكوك التي حاولت منصات بث الموسيقى بخجل معالجتها دون جدوى. بما أنّ ممارسات القرصنة شائعة في المنطقة، فلماذا يدفع شاب في العشرين من عمره مقابل الاستماع إلى الموسيقى؟

تم إطلاق تطبيق سبوتيفاي في عام 2018، وكان من المتوقع أن يساعد إطلاق العملاق السويدي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الوصول إلى معالم جديدة. لكن إدخال منصة البث إلى هذا السوق لم يثبت بعد جدارته بالكامل.

بالرغم من كونه خطوة واعدة في البداية، إلا أنّ دخوله لم يخلُ من العقبات. وكما كان الحال مع منصات البث الأخرى، فقد أعاقت العديد من العقبات رحلة سبوتيفاي نحو إحداث ثورة في استهلاك الموسيقى داخل المنطقة. من توقع تحقيق النجاح الباهر إلى إدراك الواقع القاسي، هناك عدة أسباب حالت دون حصول سبوتيفاي على الإشادة المتوقعة.

ظاهرياً، يمتلك العالم العربي كل المقومات المناسبة لنجاح أي خدمة بث.

وفي منطقة يبلغ متوسط ​​أعمار سكانها  23 عاماً، ووفي ظل الزيادة المستمرة في عدد مستخدمي الهواتف الذكية، كان من الطبيعي الاعتقاد بأن الشرق الأوسط هو السوق المتسق التالي الذي ستستحوذ عليه خدمات بث الموسيقى.

ومن الجدير بالذكر حقيقة وجود 285 مليون مستخدم للإنترنت في جميع أنحاء المنطقة، حيث كشف العقد الماضي عن الكثير من الإشارات التي توحي بحدوث ثورة في استهلاك الموسيقى وإنشاء مؤسسة أكثر اتساقاً وعالمية من شأنها تعزيز وعرض وإتاحة الوصول السهل إلى العديد من المواهب الناشئة التي يقدمها العالم العربي.

لكن المستويات العالية من الاتصال واختراق الإنترنت واستهلاك الموسيقى لا تستلزم بالضبط الإرادة المالية أو القدرة على تخصيص الأموال في خدمات البث. شيء واحد (وربما هو أهم شيء) يجب مراعاته هو معدلات الفقر في المنطقة. وفقاً للأمم المتحدة ومع أخذ خط الفقر البالغ 1.9 دولار يومياً بعين الاعتبار، فقد بلغ متوسط ​​نسبة الفقر في عام 2015 في المنطقة 5.6 % ، وهي إحصائية لم يطرأ عليها زيادة منذ ذلك الوقت.

بالنظر إلى الدخل المتاح المنخفض، فإن الافتقار إلى الوسائل المالية كان يمثل مشكلة بالنسبة لعملية الدفع مقابل البث، مما يقلل فقط من فوائد الاستثمار والدفع لمنصّات البث. في نهاية المطاف، يُعتبر منح المزيد من الموارد ورأس المال للفنانين والمواهب المحلية في المنطقة عملية تعليمية لطالما أهملتها خدمات الموسيقى الغربية.

ورغم أن النسخة المجانية من هذه المنصات تقدّم خدمات وافية، إلا أن شريحة السوق العربي ما تزال مترددة بشأن الاشتراك في الخدمة المدفوعة لتلك المنصات. مما يجعل من الصعب على سبوتيفاي ومنصات بث الموسيقى المماثلة زيادة حضورها وإيراداتها. تمثل الأغاني المقرصنة ما يصل إلى 95% من حصص استهلاك الموسيقى داخل المنطقة، ويمثل يوتيوب 47% من البث الموسيقي في جميع أنحاء العالم.

تلاعبت القرصنة بالمنطقة لعقود من الزمان، الأمر الذي عزز مكانة موقع يوتيوب كمصدر رئيسي للبث الموسيقي. بالرغم من أن سبوتيفاي تأسست في البداية لمحاربة القرصنة، إلا أن خدمتها المجانية لم تكن مقنعة بما يكفي للعرب، حتى بعد تحديد أسعار خدمات متعددة المستويات وبحسب العملات المحلية في الأسواق. على سبيل المثال تقدر رسوم الاشتراك المصرية بمبلغ 49.99 جنيه وهو مبلغ أقل بكثير من الأسواق الأخرى حول العالم.

في منطقة تهيمن عليها طريقة الدفع النقدي، حاول بعض المنافسون الآخرون اعتماد طرق خاصة بهم أمثال ديزر “Deezer” التي اشترت رخصة الأغاني التي انتجتها روتانا لتقوم ببثها على منصّتها في محاولة منها لزيادة عدد الأغاني والمطربين على منصتها، مما صعّب الأمور على المنافسين الآخرين مثل سبوتيفاي، حيث أصبحت المنافسة أصعب بالنسبة لهم أمام ديزر والمنصّات المحلية الأخرى مثل أنغامي التي تمتلكها شركة لبنانية.

على عكس نظرائها من التطبيقات الأوروبية، لا تزال شهرة “أنغامي” وبصمة حضورها داخل المنطقة لا تُضاهى حتى يومنا هذا. وبرغم ذلك، فهو يدركون تماماً التهديد الذي تشكله القرصنة على شركتهم.

قال إيلي حبيب أحد مؤسسي منصّة أنغامي في مقابلة عام 2019 “لا أشعر بالخوف من المنافسة مع سبوتيفاي أو ديزر أو أي شيء آخر”، ثم أضاف “أنا مهتم أكثر بالمنافسة مع القرصنة وكيف يمكننا بالفعل مساعدة الناس أو جعلهم يستخدمون خدمة قانونية”.

يمكن القول بعد ذلك أنه بينما كان لدى سبوتيفاي أو ديزر رؤية عامة جداً للمنطقة من خلال فهم الناس كمجموعة متجانسة موحدة، طورت أنغامي إحساساً أكثر قوة بالموسيقى في العالم العربي.

نجح تطبيق أنغامي بالسيطرة على السوق من خلال اختياره لتطبيق أغاني تناسب ذوق الجمهور في المنطقة، مما جعلها تحتل الصدارة في المنافسة مع سبوتيفاي التي لا يزال أمامها أشواط كثيرة لتقطعها لتحتل مكانة مميّزة في السوق العربية، حيث يكمن مفتاح النجاح في امتلاك المعرفة ونظرة ثاقبة أكبر بالمنطقة والذوق الرائج فيها، وهذا أمر يفتقده تطبيق مثل سبوتيفاي حيث أن معظم فريق العمل من أصحاب البشرة البيضاء ومن غير العرب والذين يفتقرون إلى فهم ذوق السوق العربية.

بغض النظر عن المسار الذي تقرر سبوتيفاي اتباعه، كل ما يمكننا أن نتمناه هو أن يستفيد الفنانون المحليون والممثلون المعنيون من الحراك العفوي للصناعة على أمل أن يمهد الطريق فقط لمشهد أفضل وأكثر استدامة.

شارك(ي) هذا المقال

مقالات رائجة