في الواقع غالباً ما أميل للتدخين تجنباً للخوض في الكثير من الأحاديث التي قد تثير غضبي، ولكن عندما أفعل ذلك لفترة طويلة أجد نفسي في النهاية غارقاً في تفكير عميق بينما أجوب بعض الأزقة المظلمة داخل عقلي والتي لا يرغب أحد بالتجول فيها.
في فترة ماضية من الزمن استحوذ الشعور بالقلق والضغط النفسي على لحظات السعادة القليلة من حياتي والتي كنت أحاول جاهداً الاستمتاع بها بطريقة أو بأخرى، وقد تمكن مني بالفعل ليصبح عقبة كبرى تعيق مسار حياتي، وبعد مرور 22 عاماً من الانغماس في التفكير العميق في الأشياء التي كانت تؤرقني من الداخل، وجدت هذه الضغوطات النفسية طريقها إلى الخارج لتتجسد في قضم أظافري التي أصبحت مشوهة (بالطبع هي ليست وجبتي الخفيفة المفضلة، فأنا أفضل تناول بعض الكنافة بدلاً عنها).
بصراحة إن الاعتياد على ارتعاش قلبي الذي يُعاني من القلق والتوتر بدلاً من التمتع بخفقانه الطبيعي ليس بالأمر السهل أبداً عليّ أو على عائلتي أو أصدقائي المقربين. لقد نشأت في منزل متدين، وبالرغم من أنّ معظم القيم التي نتشاركها معاً ونعتز بها هي أشياء لها مكانتها الغالية في قلبي، إلا أنني ومع مرور السنين لاحظت نشوء فجوة بيني وبينهم.
بالرغم من وجود الكثير من الآيات القرآنية والطقوس الدينية التي يمكن أن تساعدك على التخفيف من الألم والتوتر والتخلص من الأفكار المرهقة، إلا أنها لسبب ما لم تسهم في مساعدتي، وبالطبع هذا لا يعني أنني لست مسلما جيداً. لقد عانيت الشعور بالذنب لأنني أقرأ القرآن أو ادعو الله فقط عندما أكون في ضيق أو لطلب حاجة ما، في حين أنني أنصرف عن فعل ذلك عندما أكون مرتاحاً وبصحة جيدة، وهو الأمر الذي عزز لديّ الشعور بأنني قد أكون منافقاً، ولكن حتى عندما فعلت تلك الأمور، لم أكن أشعر بالراحة التي أحتاجها. من وجهة نظري، أعتقد أنّ الله يمنحنا بركاته بطرق خفيّة ويوفر لنا ما نحن بحاجة إليه وليس ما نسعى للحصول عليه دون أن ندرك ذلك.
وكما يُقال، فإن الخطوة الأولى نحو التعافي تكمن في إدراك الألم، ولكن بمجرد الاعتراف به، يبدأ زملائي وكبار السن بدفعي نحو تعاليم القرآن والصلوات (التي قد تكون مفيدة) متجاهلين فكرة أن الطب النفسي هو علم لديه طرق مناسبة للتعافي من هذه المشاكل، تماماً كما هو الحال مع المشكلات الصحية الأخرى والأدوية التي تساعد على العلاج. وغني عن القول بأنّ الأمر لا يتعلق بنقص عدد الأطباء أو الدواء في المنطقة، فكلنا ندرك حقيقة الصورة النمطية التي تجعل الآباء يتوقعون من أطفالهم أن يصبحوا في المستقبل أطباء – وصدقوني هناك الكثير منهم في مجتمعاتنا.
لطالما عانيت من مشاكل نفسية جسيمة، وبصراحة الصلاة من أجل الصلاة لم تكن الهدف المرجو، بالرغم من أنني أشعر بالذنب لقولي هذا، إلا أنني لم أستطع التواصل مع هذا العالم الذي يمكن لمعظم الناس فيه بدءاً من عائلتي أن يربطوا أنفسهم به، لقد وصلت إلى النقطة التي سيطر فيها الشعور بالذنب على معظم جوانب الإيمان في حياتي في كل مرة حاولت ممارسة الطقوس الدينية، وهو الأمر الذي جعل الأمور معلّقة لديّ. فمن جهة بدأت أتوقف عن الاتصال بالدين في كل مرة أدعو الله فيها طالباً تحقيق أمنية ما لأجد أن عليّ الانتظار لتحقيقها، كما أنّ فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي (الذي يمكن القول بأنّه إله الملحدين، أو على الأقل كما أراه) جعلتني من جهة أخرى أستمر بالابتعاد أكثر فأكثر، فإن لم يستطع الله أن يساعدني فمن عساه يفعل ذلك؟ لقد كنت عالقاً فيما بدا لي بأنه طريق مسدود، وقد سيطر عليّ الشعور بأنني أستحق ما أنا عليه، وأن عليّ أن أعاني من طريقة فهم عقلي المعذب للواقع، حتى استحوذ عليّ بالكامل الشعور بأني شخص محكوم عليه بالفشل اليوم وطوال الحياة.
مع مرور الوقت، تمكنت من اتخاذ الخطوة الأولى لإدراك ما يخفيه لي المستقبل، لقد استغرق مني الأمر بعض الوقت، ولكن كما نقول “أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً”. هل يمكن لهذا أن يساعد؟ ربما، إلا أنني ما زلت أصلي لكي ينجح طبيبي النفسي في التخلص من العبث الذي يثير الفوضى في عقلي، إنّه شيء مثير للسخرية، أليس كذلك؟ لكن على الأقل بدأت الأمور تتحسن وأصبحت علاقتي بالإيمان أفضل من ذي قبل إلى حدٍ معين، إنني ببساطة أشعر بمزيد من الصدق عندما أمارس الطقوس الدينية – وهذا يشعرني بالرضى بعض الشيء ولا أعتبره من المسلّمات.
عندما نكتشف أن الدين ليس الحل الوحيد لبعض القضايا المحددة في حياتنا، سنضع حداً للكثير من المعاناة التي يمر بها الكثير من جيل الشباب، بالطبع يمكن للصلاة والأوقات المخصصة للعبادة أن تمنحنا السلام وهي كفيلة بأن تبعث النور في أعماقنا المظلمة، ولكن ليس في كل الأمور، ولا بأس في ذلك. بالرغم من أنني لم أتخلص بالكامل من المشاكل النفسية، إلا أنّ الخطوات التي اتخذتها منذ بدء طلب المساعدة من المختصين لا يمكن قياسها، ومجتمعنا بحاجةٍ ماسة للبدء في التفكير بهذه الطريقة من أجل الوصول إلى حياةٍ أكثر صحة وتوازناً من الداخل.