لطالما كانت الموضة أداة قوية للتغيير الاجتماعي، حيث تعمل كوسيلة يمكن من خلالها التعبير عن التضامن، وزيادة الوعي، وحشد الدعم لمختلف القضايا. وبسبب إمكانية الوصول إليها ورؤيتها الواضحة، أصبحت القمصان (T-shirts) بشكل خاص وسيلة شائعة للنشاط الاجتماعي. من خلال ارتداء قميص بسيط يحمل رسالة قوية، يمكن للأفراد أن يقدموا بيانًا عامًا حول قيمهم ومعتقداتهم، مما يحول زيًا بسيطًا إلى شكل من أشكال الاحتجاج. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أزمات عميقة مثل الإبادة الجماعية، فإن استخدام الموضة، وخاصة القمصان، كأداة لجمع التبرعات وزيادة الوعي يأتي مع شبكة معقدة من الاعتبارات الأخلاقية.
في ضوء الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أخذت عدد من العلامات التجارية المحلية والدولية على عاتقها تصميم وإنتاج قمصان لزيادة الوعي وجمع التبرعات لفلسطين. بالطبع، لا يمكن الاستهانة بقدرة القميص على نشر الوعي. فباعتباره بمثابة لوحة إعلانية متنقلة، يمكن للملابس أن تنشر رسالة إلى جمهور أوسع مما قد تصل إليه وسائل الإعلام التقليدية. وفي عصر تهيمن فيه المحتويات المرئية، يتمتع التصميم القوي والجذاب بالقدرة على جذب الانتباه وإثارة النقاشات حول الفظائع التي تحدث على بعد آلاف الأميال. وقد كان هذا النهج فعالاً بشكل ملحوظ خلال حركة “حياة السود مهمة” (BLM) في عام 2020 بعد مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أمريكي. حيث أنشأت عدد من العلامات التجارية والمصممين قمصانًا تحمل شعارات مثل “لا أستطيع التنفس” و”حياة السود مهمة”، مما ساعد على تضخيم رسالة الحركة وحشد الدعم على مستوى العالم.
علاوة على ذلك، غالبًا ما تنجح حملات القمصان في جمع الأموال التي يحتاجها بشدة ضحايا الأزمات. يمكن أن تساهم عائدات مبيعات القمصان في دعم المساعدات الإنسانية، والإجراءات القانونية ضد الجناة، والمبادرات التي تهدف إلى منع المزيد من العنف. على سبيل المثال، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب في الصيف الماضي، قامت عدة علامات تجارية ببيع قمصان لجمع التبرعات لجهود الإغاثة. وعلى الرغم من أن هذه الجهود كانت فعالة في توليد الدعم المالي اللازم، إلا أنها تبرز أيضًا تناقضًا داخليًا. فالزلزال، الذي تفاقم بسبب تغير المناخ، يسلط الضوء على حقيقة أن صناعة الموضة، وخاصة الموضة السريعة، هي مساهم كبير في تدهور البيئة وتغير المناخ. وبالتالي، يمكن أن يبدو استخدام القمصان، وهي منتج من هذه الصناعة ذاتها، لمعالجة كارثة ناتجة عن تغير المناخ أمرًا متناقضًا وغير فعال.
يمكن أيضًا القول إن فكرة “قميص النشاط الاجتماعي” تعزز ثقافة الاستهلاك المفرط، وتحويل أزمة إنسانية خطيرة إلى سلعة، مما يعرض لخطر تقليل خطورة المعاناة وتحويلها إلى مجرد بيان أزياء.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل الاقتراح القائل بأن حملات القمصان تروج للنشاط السطحي، حيث يشعر الأفراد بأنهم “قاموا بواجبهم” بمجرد إجراء عملية شراء. يمكن أن يطغى هذا الانخراط السطحي على الإجراءات الأكثر أهمية، مثل الاحتجاج، والضغط على الحكومات المحلية لدفعها إلى المطالبة بوقف إطلاق النار لإنهاء الإبادة الجماعية، والتطوع، أو التبرع مباشرةً للمنظمات ذات السمعة الطيبة. يكمن الخطر في إمكانية استبدال هذه الحملات للنشاط الحقيقي بإيماءات رمزية فقط.
كما أن تسليع المعاناة يثير تساؤلات حول أين تذهب الأرباح حقًا. في حين أن العديد من الحملات تتمتع بالشفافية والأخلاقية، إلا أن هناك حالات لا تصل فيها نسبة كبيرة من العائدات إلى المستفيدين المستهدفين. ويمكن اعتبار استغلال مأساة لتحقيق الربح أمرًا غير أخلاقي بشكل عميق، خاصة عندما يرى الضحايا القليل من الفائدة أو لا يرونها على الإطلاق—خصوصًا في حالة غزة، حيث تعرقل الحصارات المتعددة قنوات توزيع المساعدات.
للتعامل مع هذه القضايا المعقدة، يجب أن تحقق حملات القمصان توازنًا دقيقًا. يجب على المنظمات والعلامات التجارية والمصممين أن يتواصلوا بوضوح حول كيفية استخدام الأموال وأن يضمنوا أن جزءًا كبيرًا من العائدات يذهب مباشرةً لمساعدة المتضررين، لأن فعالية وأخلاقية حملات القمصان تعتمد في النهاية على كيفية تنفيذها. عندما يتم ذلك بتفكير وأخلاق، يمكن أن تكون أداة قوية لزيادة الوعي وجمع التبرعات. ومع ذلك، بدون مراعاة دقيقة، فإنها تخاطر بالمساهمة في المشاكل ذاتها التي تهدف إلى حلها. التحدي يكمن في ضمان أن هذه الحملات تعزز أصوات المظلومين بدلاً من استغلال معاناتهم.