عزة فهمي، قوة لا تُقهر في عالم تصميم المجوهرات، هي رمز فني رفعت الزينة إلى مستوى التراث الثقافي. بدأت رحلتها في أواخر الستينيات عندما أشعل كتاب فني ألماني عن المجوهرات في العصور الوسطى شغفًا لا يمكن إخماده بداخلها، شغفًا رسم لها مسارًا جديدًا في عالم تصميم المجوهرات. في وقت ومكان كانت فيه مسيرة مهنية في المجوهرات خطوة جريئة للمرأة، تخطت فهمي الحدود وأصبحت واحدة من أولى المتدربات الإناث في خان الخليلي التاريخي بالقاهرة. واليوم، وبعد 55 عامًا من الإرث، تستعد شركة عائلتها لبدء فصل جديد. افتتاح أول متجر لهم في مركز المملكة بالرياض يمثل محطة هامة في مسيرتها. حظينا بفرصة إجراء مقابلة معمقة مع عزة فهمي لاستكشاف روح تصميماتها وإرث علامتها التجارية.
بدأتِ رحلتكِ في وقت كانت فيه المعايير الاجتماعية تحد من المسارات المهنية للنساء. ما هي بعض التحديات الرئيسية التي واجهتيها، وكيف تعاملتِ معها وتغلبتِ عليها؟
بدأت رحلتي في خان الخليلي عام 1969، حيث تعلمت الحرفة تحت إشراف واحد من أبرز الأساتذة في المجال. كنت واحدة من أوائل النساء اللواتي اقتحمن هذا المجال الذي كان يسيطر عليه الرجال تقليديًا، وكان كثيرون لا يفهمون تمامًا ما الذي أفعله هناك أو لماذا كنت موجودة. ولكنني بقيت مركزة على شغفي، وكنت أذكر نفسي دائمًا بأن هدفي ليس السعي وراء القبول أو المنافسة، بل متابعة ما أحب بصدق. بمرور الوقت، اكتسبت احترام زملائي من خلال تفانيي وحبي للحرفة. كان المجتمع داعمًا للغاية، حيث قدم لي رؤى تقنية وتاريخية لا تقدر بثمن وساهمت في تعميق فهمي وتقديري لفن صناعة المجوهرات.
هل كنتِ تتوقعين دائمًا أن تنضم بناتك إلى عمل العائلة، أم أن الأمر تطور بشكل طبيعي؟
بالطبع كنت أتمنى أن تنضم بناتي إلى عمل العائلة، لكنني لم أضغط عليهن أبدًا. تطور اهتمامهن بالمجوهرات بشكل طبيعي. منذ صغرهن، كن يشاركن في المعارض وورش العمل الخاصة بنا، ونما شغفهن بالحرفة من خلال تلك التجارب. من الجميل أن أرى هذا الاهتمام يتطور لديهن وكيف اخترن بمحض إرادتهن مواصلة هذا الإرث. مشاركتهن كانت امتدادًا طبيعيًا لمواهبهن واهتماماتهن، وليس شيئًا فُرض عليهن.
ما الذي ألهمكِ لافتتاح متجر في الرياض، وكيف يتماشى ذلك مع رؤية علامتكِ التجارية؟
افتتاح متجر في الرياض كان خطوة طبيعية في مسار علامتنا التجارية، نظرًا للعلاقة العميقة بين مجوهرات عزة فهمي والتراث العربي الغني، وللمكانة الخاصة التي تحتلها السعودية في هذا التراث. الرياض، المدينة التي تجمع بين التقاليد والحداثة، تعكس جوهر علامتنا التجارية.
لطالما كانت علاقتنا قوية مع عملائنا السعوديين حول العالم، والطلب المتزايد في السوق، خصوصًا بعد نجاح متجرنا المؤقت في العلا، أكد الحاجة إلى تواجد دائم. افتتاح المتجر يتيح لنا التواصل بشكل أكبر مع عملائنا ومشاركة قصتنا، وحرفيتنا، والتزامنا بالجودة مع مجتمع يقدر هذه العناصر بعمق.
كما أن شراكتنا مع “عطار المتحدة” جاءت في الوقت المثالي. كونها واحدة من أبرز شركات التجزئة الفاخرة في المملكة، وتتمتع بقاعدة عملاء من كبار الشخصيات، فإن “عطار المتحدة” تشاركنا القيم والتطلعات التي تتماشى تمامًا مع علامتنا التجارية. نحن متحمسون لتقديم تجربة استثنائية للسعودية من خلال هذه الشراكة.
ما التجربة التي تأملين تقديمها للعملاء في متجر الرياض؟ وكيف تختلف عن مواقعكم الأخرى؟
في متجر الرياض، نطمح إلى تقديم تجربة غامرة تحتفي بالتعبير الفني والتراث الثقافي، مع خلق اتصال شخصي عميق. أردنا أن يكون المتجر بيئة تعكس شخصية عزة فهمي وقيمها ورحلتها الفنية، بحيث تكون ترحيبية وملهمة في آنٍ واحد.
يتميز متجر الرياض بعرض قطع مختارة بعناية من بعض أبرز المواهب في المنطقة، وهنا لعب تعاوننا مع فنانين مرموقين مثل رندا فهمي وهودا بارودي وماريا هبري من “بوكجة” دورًا كبيرًا. على سبيل المثال، الستارة المصممة بتداخل بين الزخارف المملوكية وحرفية رندا فهمي التي تستقبل الزوار عند الدخول، تعكس تراث علامتنا التجارية بشكل رائع. كما يوجد ثريا مذهلة مستوحاة من التصاميم الفرعونية، مزينة بزخارف من البردي واللوتس من الزجاج والنحاس، تظهر عمق البحث التاريخي لعزة فهمي.
في غرفة كبار الشخصيات، نجد لوحة فنية من “بوكجة” تمزج بين عناصر من السقوف الفرعونية وجدران المعابد مع نقوش معقدة، ما يخلق تمازجًا فريدًا من التأثيرات التاريخية.
كل هذه العناصر المختارة بعناية تسهم في خلق تجربة تسوق غنية ثقافيًا، تميز متجر الرياض عن باقي مواقعنا. من خلال دمج الحرف التقليدية والإشارات إلى الثقافة المصرية القديمة في تصميم المتجر، نربط عملاءنا ليس فقط بالعلامة التجارية، بل أيضًا بالتأثيرات الثقافية والتاريخية التي شكلت عملنا. في النهاية، نرغب في أن يشعر العملاء بأنهم في مكان يتيح لهم التفاعل معنا وتجربة جوهر العلامة في كل ركن.
هل هناك مجموعات خاصة أو قطع حصرية ستكون متاحة فقط في متجر الرياض؟
بالتأكيد، مع افتتاح متجرنا في الرياض، نطرح بعض المجموعات الخاصة والحصرية لأول مرة. من بينها مجموعة المجوهرات الفاخرة لعزة فهمي، والتي تضم قطعًا مبهرة تحتوي على أحجار كريمة مذهلة، مصنوعة من أجود المواد وبحرفية استثنائية. هذه القطع ليست مجرد مجوهرات، بل هي بيانات فنية، كل قطعة تحكي قصة فريدة من خلال تصميمها المعقد وتحمل دلالات ثقافية عميقة. كما سنعرض مجموعة سورايا المحدودة، وهي مجموعة من التصاميم الفريدة والمحدودة المستوحاة من الثقافة الغنية والتراث العريق للمنطقة. إنها طريقتنا في تقديم شيء مميز وفريد للرياض، ونتطلع بشغف لرؤية عملائنا وهم يكتشفون هذه المجموعات الرائعة.
هل هناك مدن أخرى في السعودية أو الخليج تفكرون في فتح متاجر فيها؟
مع افتتاح متجرنا في الرياض، نتطلع إلى توسيع حضورنا في جميع أنحاء السعودية والخليج. نحن نستكشف فرصًا في مدن رئيسية أخرى في المنطقة، حيث نرى تقديرًا متزايدًا لمزيجنا الفريد من الحرفية وسرد القصص الثقافي. هدفنا هو إنشاء علاقات أكثر حميمية مع عملائنا من خلال خدمات مخصصة، فعاليات حصرية، وتجربة عميقة للعلامة التجارية. نريد أن ننشر جوهر عزة فهمي لأكبر عدد ممكن من الناس، ونعطيهم الفرصة لاستكشاف تراثنا وفننا عن قرب.
من أين تستمدين إلهامك الإبداعي، خاصة في مجال متجذر بعمق في التاريخ والثقافة؟
مصادر إلهامي متعددة، لكن المصدر الرئيسي هو ولعي بمصر القديمة. غالبًا ما أستلهم من القطع الأثرية القديمة، العمارة، الأدب، والزخارف التقليدية في تصاميمي. السفر أيضًا يمنحني إلهامًا لا ينضب، حيث أستطيع الانغماس تمامًا في كيفية تعبير الثقافات المختلفة عن تراثها من خلال الفن والتصميم. قد أسافر إلى مكان ما لأشهر بغرض البحث فقط، وأستمد الإلهام من تلك الرحلة. بالإضافة إلى ذلك، أجد إلهامًا في قصص الناس، سواء من الماضي أو الحاضر. كل قطعة مجوهرات نصممها تهدف إلى سرد قصة أو تجسيد شعور، وأنا دائمًا ملهَمة بفكرة ربط الناس بتاريخهم وهويتهم من خلال تصميماتنا. بالنسبة لنا، كل لحظة هي فرصة لاستخلاص الإلهام وسرد قصة من خلال فننا.
الاستدامة أصبحت مصدر قلق متزايد في صناعات الموضة والمجوهرات. كيف تدمج عزة فهمي ممارسات مستدامة في نموذج عملها؟
الاستدامة جزء لا يتجزأ من فلسفتنا ونموذج عملنا. لدمج الممارسات المستدامة، نركز على استخدام مواد عالية الجودة ومتينة تضمن أن تُحافظ قطعنا على قيمتها لمدى الحياة ويمكن حتى تمريرها للأجيال القادمة. كما نطبق تقنيات لتقليل الهدر في عمليات الإنتاج، ونعمل على إعادة استخدام القطع المتبقية متى كان ذلك ممكنًا. بالإضافة إلى ذلك، نركز على أهمية الحرف اليدوية، التي لا تحافظ فقط على المهارات التقليدية بل تترك أثرًا بيئيًا أقل مقارنة بأساليب الإنتاج الجماعي.
ما مدى أهمية التوريد الأخلاقي للمواد لعلامتكم التجارية، وكيف تضمنون أن قطعكم تُصنع بشكل مسؤول؟
التوريد الأخلاقي للمواد أمر في غاية الأهمية لعلامتنا التجارية، لأنه يتماشى مع قيمنا في النزاهة والاحترام والمسؤولية. نبذل جهدًا كبيرًا لضمان أن جميع موادنا يتم توريدها من موردين موثوقين يلتزمون بممارسات التجارة العادلة والأخلاقية. يعني ذلك أننا نعمل فقط مع شركاء يضمنون أن المواد تُحصل بطرق صديقة للبيئة ومسؤولة اجتماعيًا. نحافظ على علاقات وثيقة مع موردينا ونقوم بمراجعة ممارساتهم بشكل دوري لضمان توافقها مع معاييرنا. هذا النهج يساعدنا في صنع قطع يمكن لعملائنا ارتداؤها بفخر، مع العلم أنها صُنعت بمسؤولية.
ما النصيحة التي تقدمينها للمصممين الشباب الذين بدأوا للتو في هذا المجال؟
نصيحتي للمصممين الشباب هي أن يبدأوا دائمًا بتقدير عميق وفهم للتقاليد. من المهم دراسة التقنيات والتاريخ والسياق الثقافي للحرفة، لأن هذه الأسس ستوجه قراراتك الإبداعية. ولا تخافوا من التجربة أو دفع الحدود. الابتكار يأتي من إعادة تصور الممكن مع الاحترام لما مضى. التوازن بين احترام التقاليد والحاجة إلى الابتكار يعني العثور على صوتك الفريد، صوت يحترم التراث لكنه أيضًا معاصر ويتحدث إلى الحاضر. إنها رقصة دقيقة بين المحافظة والتقدم، وأفضل طريقة للتنقل فيها هي أن تكون وفيًا لرؤيتك وشغفك.
لو كان بإمكانك العودة بالزمن وتقديم نصيحة لنفسك في بداية مشوارك، ما هي؟
كنت سأقول لنفسي الشابة أن أحتضن كل تحد وصعوبة كفرصة تعلم قيمة. في بداية مسيرتي، كان من السهل أن أشعر بالإحباط بسبب العقبات أو النقد، لكن تلك اللحظات كانت أساسية لنموّي وتطوّري. ثق بشغفك ورؤيتك، والأهم من ذلك، استمع إلى حدسك. تذكر أن المثابرة والمرونة هما المفتاح لتجاوز الصعوبات.
ما هي اللحظة الأكثر إرضاءً في مسيرتك المهنية حتى الآن؟
أكثر اللحظات مكافأة في مسيرتي كانت رؤية تصميماتنا تحظى بالتقدير والاحتفاء على مستوى عالمي، خاصة عندما تلمس مشاعر الناس من ثقافات مختلفة. أن أرى كيف استطاعت أعمالنا، التي تعكس التراث المصري، أن تأسر خيال الناس في جميع أنحاء العالم وتُعزز تقديرًا أكبر لتاريخنا الثقافي كان أمرًا مدهشًا للغاية. هذا التأكيد على أن التزامنا بالحفاظ على التراث والاحتفاء به من خلال المجوهرات قد أحدث تأثيرًا حقيقيًا هو أعظم مكافأة بالنسبة لي.
كيف تسترخين وتحققين التوازن في حياتك بعيدًا عن العمل الإبداعي؟
أجعل من أولوياتي الاسترخاء بطرق تُريح العقل والجسد. التأمل واليوغا جزء لا غنى عنه من روتيني، وغالبًا ما أسافر لحضور خلوات يوغا متخصصة. لقد سافرت إلى الهند عدة مرات لهذا السبب تحديدًا، فهو المكان المثالي للتخلص من التوتر واستعادة التوازن. هذه الممارسات تساعدني على إعادة الشحن والحفاظ على التوازن في حياتي.
ما هي بعض الهوايات أو الشغف الشخصي التي قد تفاجئ الناس الذين يعرفونك فقط من خلال مجوهراتك؟
قد يفاجأ الناس عندما يعلمون أن لدي شغفًا عميقًا بالطهي، خاصة باستخدام الطرق التقليدية. أحب إعداد الأطباق الكلاسيكية تمامًا كما تم تمريرها عبر الأجيال في عائلتي، بأصالتها ونكهاتها التقليدية. هواية أخرى أعتز بها هي البستنة. هناك شيء ممتع للغاية في زراعة النباتات والعناية بحديقتي، فهي نشاط هادئ يتيح لي التواصل مع الطبيعة بطريقة شخصية جدًا.