لمن يحتاج التأكيد، الملاكمة الجزائرية إيمان خليف ليست رجلاً

لنكون واضحين

بينما يجتمع العالم في باريس لحضور دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، تطغى مرة أخرى روح الوحدة والرياضية على أجواء الحدث، حيث تندلع الخلافات من جديد. في قلب هذه العاصفة توجد إيمان خليف، الملاكمة الجزائرية التي شكك البعض في حقها في المشاركة، ليس بسبب موهبتها أو مهاراتها، بل بسبب بيولوجيتها. تجسد خليف، التي تواجه انتقادات وردود فعل عنيفة بزعم أنها ليست امرأة “سيس”، التقاطع المعقد بين قضايا الجندر، العرق، والسياسة الرياضية.

إيمان خليف هي امرأة سيس، ولدت وترعرعت في قرية محافظة في تيارت، الجزائر. يُعتقد أنها تعاني من حالة فرط الأندروجين، وهي حالة تتميز بمستويات أعلى من المعتاد من الأندروجينات (الهرمونات الذكرية) في جسم المرأة. هذه الحالة قد تحدث بشكل طبيعي وترتبط غالبًا باضطرابات مثل متلازمة تكيس المبايض (PCOS). على الرغم من واقعها البيولوجي وحقيقة أنها أنثى قانونيًا وتشريحيًا، تعرضت خليف، البالغة من العمر 25 عامًا، لاختبارات جندرية تدخّلية وتدقيق علني، خاصة بعد استبعادها من بطولة العالم العام الماضي بسبب فشلها في اختبارات أهلية الجندر.

وفقًا للجنة الأولمبية الدولية، فقد تم “استبعادها قبل ساعات فقط من نهائي الميدالية الذهبية ضد يانغ ليو في بطولة العالم 2023 في نيودلهي، الهند، بعد أن فشلت مستويات التستوستيرون المرتفعة لديها في تلبية معايير الأهلية.”

في ذلك الوقت، ردت اللجنة الأولمبية الجزائرية بزعْم أن الاستبعاد كان جزءًا من “مؤامرة” لمنعهم من الفوز بميدالية ذهبية، وربما لم تكن تلك الاتهامات بعيدة عن الحقيقة.

تعرضت خليف، بطلة إفريقيا ثلاث مرات، لحملة عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي قادها رجال ونساء بيض من المحافظين، والتي امتلأت بالخطاب العنصري وكراهية الأجانب والخوف من المتحولين جنسيًا.

كتب أحد مستخدمي تويتر: “رجل من شمال إفريقيا يهزم امرأة أوروبية أمام هتافات النخبة المرفهة، وهذا يعكس تمامًا ما يحدث في أوروبا ككل.”

وأضاف آخر: “لا شيء يثير الدهشة هنا، فقط رجل مسلم يضرب امرأة!”

ربما يكون الأمر مجرد شعور، لكن لو كانت خليف امرأة بيضاء من بلد غربي، فمن المرجح أن تكون النقاشات على الإنترنت مختلفة تمامًا. تظهر وسائل الإعلام الغربية والرأي العام الغربي أحيانًا معايير مزدوجة، حيث يتم فحص الرياضيين من الدول غير الغربية، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى أعراق غير بيضاء، بشكل أكثر قسوة عندما يبدون خارجين عن القواعد الجندرية.

 

نأخذ مثال كاستر سيمينيا، العداءة الجنوب أفريقية التي تعاني أيضًا من فرط الأندروجين (حيث كشفت التقارير الطبية المسربة أنها تمتلك مستويات طبيعية من التستوستيرون في نطاق الذكور). تعرضت سيمينيا لتدقيق لا يلين وخضعت لاختبارات تدخّلية وإذلال علني بعد فوزها ببطولة العالم 2009. في عام 2019، دخلت قواعد جديدة من الاتحاد الدولي لألعاب القوى حيز التنفيذ، تمنع الرياضيين مثل سيمينيا الذين يعانون من اضطرابات تطور الجنس (DSDs) من المشاركة في سباقات 400 متر و800 متر و1500 متر في فئة الإناث ما لم يتناولوا أدوية لتقليل مستويات التستوستيرون لديهم.

في الجزائر، البلد المسلم المحافظ حيث لا تُعتبر جراحة التحول الجنسي خيارًا بسبب القيود القانونية والثقافية، فكرة أن خليف قد تكون شيئًا آخر غير امرأة سيس ليست فقط غير محتملة بل مستحيلة. يبرز هذا الواقع الجهل والتحيز لدى أولئك الذين يشككون في جنسها بناءً فقط على قدراتها البدنية ومظهرها. إنه انعكاس لقضية أوسع حيث يتم فحص الرياضيين الأفارقة وغير الغربيين بشكل غير عادل ويتعرضون للتمييز، غالبًا بدون أي أساس علمي أو واقعي.

فرط الأندروجين هو تنوع طبيعي في البيولوجيا البشرية. لا يعني هوية أو قدرات ذكورية. النساء اللواتي يعانين من فرط الأندروجين، مثل اللواتي يعانين من متلازمة تكيس المبايض، كن يشاركن في الرياضة لسنوات دون أي مشكلة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالرياضة النخبوية، فجأة يُنظر إلى هؤلاء النساء على أنهن يتمتعن بميزة زائدة. هذا المنظور يفشل في الاعتراف بأن كل رياضي لديه سمات فسيولوجية فريدة تسهم في أدائه. يتم الاحتفاء بخصائص مثل الألياف العضلية سريعة الانقباض لدى يوسين بولت أو امتداد أذرع مايكل فيلبس، بينما يتم التشكيك في مستويات هرمونات خليف الطبيعية.

 

استبعاد النساء اللاتي يعانين من حالات طبية من الرياضة ليس فقط سوء فهم علمي، بل هو فشل أخلاقي. إنه يعزز فكرة أن أجساد النساء يجب أن تتوافق مع معايير ضيقة من الأنوثة والرياضية، متجاهلاً التنوع الطبيعي في البيولوجيا البشرية. علاوة على ذلك، يرسل رسالة ضارة للفتيات والنساء الشابات اللواتي يعانين من حالات مشابهة، مفادها أنهن يجب أن يقمعن أو يغيرن أجسادهن الطبيعية ليتم قبولهن في الرياضة والمجتمع.

تُظهر هذه الحملة التضليلية ضد خليف على وسائل التواصل الاجتماعي حجم الجهل وعدم الفهم حول أجساد النساء، وهو أمر يتضح أيضًا في حالة يمنى عياد، التي كانت على وشك أن تصبح أول ملاكمة مصرية تشارك في أولمبياد باريس قبل أن تُستبعد بسبب زيادة في الوزن بلغت 700 جرام نتيجة “تغيرات فسيولوجية وهرمونية” – والمعروفة أيضًا بأنها الدورة الشهرية. يبرز الوصف الغامض للدورة الشهرية مدى الجهل والوصم الذي يحيط بالعمليات البيولوجية الطبيعية للنساء. بدلاً من الاعتراف بالتغيرات الطبيعية في جسم المرأة وتوفير التسهيلات اللازمة، يظهر استبعاد عياد مشكلة أوسع في القوانين الرياضية التي غالبًا ما تفشل في مراعاة الجوانب الفريدة للفسيولوجيا الأنثوية.

دفعت الحملة التضليلية ضد خليف اللجنة الأولمبية الدولية لإصدار بيان رسمي يعلن أن جميع الرياضيين المشاركين في منافسات الملاكمة في أولمبياد 2024 يلتزمون بمعايير الأهلية الصارمة ولوائح الدخول، والقوانين الطبية المعمول بها.

وكتبت اللجنة: “جميع الرياضيين المشاركين في منافسات الملاكمة في دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 يلتزمون بلوائح الأهلية والدخول الخاصة بالمنافسة، بالإضافة إلى جميع اللوائح الطبية المعمول بها وفقًا للقاعدة 1.4 والقاعدة 3.1 من وحدة الملاكمة لباريس 2024.”

بعد توضيح اللجنة الأولمبية الدولية، تستعد خليف لمواجهة الإيطالية أنجيلا كاريني في نزال وزن الوسط يوم الخميس. وبينما تستعد خليف للتنافس، تظل قضيتها تذكيرًا قويًا بأن المعركة من أجل العدالة والمساواة في الرياضة لم تنته بعد.

شارك(ي) هذا المقال