كلمتا “بلدي” و”بيئة”، اللتان تعنيان الوطن والبيئة، كان من المفترض أن تثيرا مشاعر الفخر والانتماء. ومع ذلك، في الاستخدام الحديث، تحولت هاتان الكلمتان إلى أدوات للإهانة وتعزيز الانقسامات الاجتماعية وإبراز الطبقية بشكل صارخ. من المفارقات أن كلمات متجذرة في الهوية والانتماء أصبحت تُستخدم للتقليل من شأن الآخرين.
في مساء هادئ بأحد أيام الأربعاء، جلست مجلة MILLE مع مازن زكي، مصمم أزياء ومخرج إبداعي مصري، للحديث عن جوهر مصر: ما هي عليه، ما كان يمكن أن تكون عليه، وكيف شكّلت هذه الأفكار علامته التجارية الجديدة جذور. في مقهى دافئ في المعادي، وبين رشفة وأخرى من لاتيه الماتشا، تحدث زكي بحماس عن مهمته: مساعدة الناس على رؤية مصر كما هي حقًا، واستعادة الفخر بمعاني كلمات مثل “بلدي” و”بيئة”.
يقول زكي: “بدأت استكشاف هذه الفكرة خلال الجائحة في عام 2019″، مشيرًا إلى أنه درس تصميم الأزياء وعمل كمساعد لأحمد سرور. بدأ مشواره بالتجريب والتصميم، لكن فكرة جذور وُلدت خلال دورة في الإخراج الفني. وأضاف: “أردت أن أبتكر شيئًا يساعدني على فهم جذوري المصرية بشكل أفضل.”
اسم العلامة التجارية، جذور، كان في البداية عنوان جلسة تصوير، لكنه تطور ليصبح علامة تجارية يصفها زكي بأنها “مصرية بلا اعتذار”. يقول: “لا أريد أن أخفي أقمشتنا أو تصاميمنا. أريد أن نظهر حقيقتنا كما هي.” بعيدًا عن الإشارة المستمرة إلى مصر القديمة، تهدف جذور إلى تقديم رؤية حديثة تحتفي بالهوية المصرية الأصيلة التي لم تتأثر بالحداثة الغربية.
مجموعة زكي الأولى، التي تحمل عنوان “من فات قديمه وتاه”, هي تحية شخصية عميقة لتراثه، مستوحاة من قول مأثور تعلمه من والدته. يقول: “والدتي من كفر الشيخ ووالدي من المنوفية. أمي، وهي فلاحة، شاركتني هذا المثل، وقد لامسني لأن نسيان الجذور يتركك تائهًا بلا أساس.”
تعكس المجموعة فلسفته، حيث صُممت بأبسط الطرق الممكنة لتعبر عما هو أصيل فينا. تشمل المجموعة ملابس تقليدية مثل الجلابية والسديري، مُعاد تصورها بأقمشة حديثة مثل الدنيم. يقول زكي: “نحن نخجل من ثقافتنا وننظر بازدراء إلى ملابسنا التقليدية مثل الجلابية أو العباءة. لماذا؟ هذه الملابس تمثل حقيقتنا. علامتي التجارية ليست مجرد موضة، بل هي حركة لاستعادة هويتنا وإعادة تقييم قيمنا.”
ينتقد زكي التأثيرات الاستعمارية والحديثة التي غيّرت تقاليد اللباس في مصر. يوضح أن الجلابية أصبحت أقصر تدريجيًا بسبب الاستعمار والتحديث، ثم تحولت إلى البدلة، التي أصبحت رمزًا للطبقية. يقول: “حتى كلمات مثل ‘بلدي’ أو ‘بيئة’، التي تصفنا، أصبحت تُستخدم كإهانات. كل هذا ينبع من تمجيد القيم الغربية واحتقار جذورنا.”
بالنسبة له، تمثل الجلابية الفخر والقوة. يقول: “هناك شيء قوي في الرجل الصعيدي الذي يرتدي الجلابية يوميًا. هو متجذر، مصري بلا اعتذار. يظل ملتزمًا بحقيقته، رغم رؤية الجميع حوله يرتدون الجينز أو الهوديز. هذه العلامة جعلتني أرى الأمور بشكل مختلف. الآن، أرى الفخر في البواب. هناك جاذبية حقيقية في أصالتهم.”
تمتد مهمة زكي إلى ما هو أبعد من الجماليات. يقول: “لو ارتدينا كأبناء مصر الحقيقيين، لما كانت الطبقية والفوارق الاجتماعية بهذه الحدة. نحن نمجد ثقافات أخرى وننسى أنفسنا. علامتي تعليمية؛ أريد للناس أن يفهموا ثقافتنا، وخلال هذه العملية، أكتشف نفسي من جديد.”
صُورت المجموعة الأولى في مزرعة بشبرامنت، بمشاركة فريق عمل مصري بالكامل ينتمي، مثل زكي، إلى مناطق خارج القاهرة. يقول: “العلامة هي إعادة تصور لما يمكن أن تكون عليه مصر. لو بقينا متمسكين بجذورنا، كيف كانت ستبدو؟”
يؤكد زكي على أهمية الريف والفلاحين، مشيرًا إلى أنهم يمثلون الشكل الأصيل للمصريين، حيث يعود نمط حياتهم إلى مصر القديمة. يقول: “هؤلاء الذين ننظر إليهم بازدراء هم من يحافظون على استمرار البلد. من دونهم، أين ستكون مصر؟”
يرى زكي علامته كمنصة لرواية القصص. يقول: “أريد أن أظهر كل جوانب مصر—عاداتها، تقاليدها، أغانيها، وأفلامها. كل مجموعة ستستكشف منطقة مختلفة، لتعكس قصصها وثقافتها الفريدة. أريد أن يصبح موقع ‘جذور’ مرجعًا للمصريين وللآخرين للتعرف على هويتنا.”
في النهاية، هدف زكي واضح: “أريد للناس أن يروا مصر كما هي حقًا.”