دائماً ما تدور خيارات الشرب في فرنسا حول الشمبانيا، لكن عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي فإن العَرَق هو الذي يحكم. لمن لم يسمع بهذا المشروب من قبل فهو مشروب شفاف بنكهة اليانسون يتحول إلى سائل أبيض ضبابي بمجرد خلطه بالماء وكثيراً ما يتواجد على طاولات المطاعم في لبنان وسوريا وفي التجمعات العائلية في الأردن والعراق وفي معظم الحفلات المصرية. إن العرق المعروف أيضاً باسم “زبيب” في البلدان الأخرى هو التسمية العربية لما تسميه دول البحر الأبيض المتوسط الأخرى بالـ Ouzo أو Raki أو Pastis ويتميز بأنه منعش ويتم تقديمه كمشروب يساعد على الهضم بعد وجبات الاحتفال حيث يمكننا القول أن هذا المشروب التقليدي هو سفير لثقافة بلاد الشام وفي طريقه للعالمية.
لا شي يبدو شامياً أكثر من احتساء كأس من العرق مع الحمص أو البابا غنوج، حيث يحمل هذا المشروب الكحولي تاريخاً قديماً من التقاليد تستحق أن يتم تسليط الضوء عليها. يُعرف هذا المزيج المستخلص من العنب واليانسون بفعاليته الشديدة رغم أنه يوجد تفاوت بالشدة بين كل زجاجة من 40 إلى 60 في المائة وهو مشروب يرافق وجبات الطعام لساعات، مما يسمح لنا بأن نقضي ليلاً مليئاً بمحادثات لا تنتهي تتخللها ضحكات عالية وقصص مسلية.
إنها زجاجة مركزة من الدوبامين تجعلكم تستمتعون دون إفراط، وتعود أصول هذا المشروب إلى تطور عمليات وأجهزة التقطير (الإمبيق) العربي في القرن الثاني عشر. يتم صنع العرق عن طريق استخراج بذور اليانسون وإضافتها للعنب المتخمر ويعتبر هذا الخليط واحداً من أولى النكهات التي تم صنعها على الإطلاق، إضافة لارتباط تاريخه بجذور المنطقة بشكل وثيق حتى يكاد يصل إلى مكانة مقدسة.
لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي لديه قوانين وأنظمة فيما يتعلق بالعرق، فحتى يكون طعمه مثالياً يجب أن يكون مصنوعاً من العنب الأبيض وعادة من سلالات العبيدي أو المرواح قبل أن يتم تخفيفه إلى نسبة 53 في المائة من الكحول، ومن ثم يتم تقطيره على ثلاث مراحل في إناء ثم تعتيقه لمدة عام كامل في الفخار.
يمكننا أن نتجادل حول كيفية صنعه بالضبط لعدة أيام ولكن كما يقول الناس إذا كنت تريد شيئاً ما بشكل صحيح فعليك أن تفعله بنفسك. لهذا السبب كثيراً ما نرى عائلات محلية تحضر هذا المشروب منزلياً. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للفلسطينيين فعلى الرغم من كونها محاطة ببلدانٍ تشتهر بتحضير الخمور عالمياً كلبنان إلا أن الأراضي المحتلة تعاني من قيود استعمارية أثّرت على وارداتها الإجمالية مما أثر أيضاً على استهلاك العرق في الدولة سلباً حيث أصبحت الزجاجات المحلية غالباً ما تكون مخففة ومصنوعة من مكونات ضارة ومنخفضة التكلفة.
يمكن اعتبار العَرَق في مصر دليلاً على الطبقة الاجتماعية فهو شراب الرجل الفقير ونظراً لأن الأحكام الدينية لا تزال تتحكم بمعظم نواحي المجتمع، فإن المشروبات الكحولية الأجنبية باهظة الثمن تعوّض الجودة والمذاق الرخيص للكحوليات المحلية، ونظراً لأن الطبقات العليا من المجتمع هي الوحيدة القادرة على الحصول على المشروبات الكحولية ذات القيمة الجيدة، فقد ساعد ذلك أيضاً في بناء ديناميكية معينة وتسلسل معين حيث أصبح يُنظر إلى العَرَق أو في الواقع أي كحول مصري على أنه سيء الطعم وغير مرغوب إلا إذا في حال تجاهلتم آراء الآخرين به، ويبقى علينا التنويه بأن العديد من المخاطر تأتي مع شرب الخمر المحلي بما في ذلك العَرَق، فتشوش الرؤية الذي يصاحب الإكثار من الشرب والدوام عليه على سبيل المثال هو من الأمور الشائعة التي تحدث.
إن العرق سواء كنتم تحبونه أو تكرهونه هو عنصر أساسي في مائدة المنطقة وخاصة في بلاد الشام. وإذا لم تكونوا قد جربتموه من قبل فبعد قراءة ما سبق أعتقد أنكم في طريقكم لتذوق ولو رشفة واحدة منه.