لا يتطلب الأمر سوى جولة سريعة في المدينة للحصول على فكرة عامة عمّا يشغل جيل “بيبي بومرز” في الوقت الراهن. وليس من المستغرب أن نجد جيل “زد” مرة أخرى في مقدمة الأحاديث الدائرة في المقاهي، حيث يشعل هذا الجيل المزيد من النقاشات التي تكاد لا تُحصى وسط ضجيج الأكواب والملاعق.
لطالما نُظر إلى هؤلاء الذين وُلدوا بين منتصف التسعينيات وبداية الألفية الجديدة على أنهم السبب الرئيسي للعديد من—وإن لم يكن كل—المشاكل التي يتعين على مجتمعنا مواجهتها والتغلب عليها. وُجّهت إليهم أصابع الاتهام بشدة لأنهم أكثر كسلًا من أي جيل سبقهم، وأنهم “أكثر ليونة” من الوسائد التي يتهمونهم بأنهم يقضون ساعات طويلة في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي عليها. في عام 2024، يجد الشباب أنفسهم في مرمى الانتقادات اليومية تقريبًا، سواء على شاشات التلفزيون أو الإنترنت، ويستخدمون ككبش فداء للنقد المجتمعي. ومع ذلك، وسط هذا الانتقاد اللاذع، قد يكون لدى هذا الجيل بعض الردود للدفاع عن نفسه. وبعد النظر بعناية في مرافعتهم، قد نتذكر ضرورة التفكير والتأمل قبل إلقاء اللوم على هؤلاء الذين تحملوا الأعباء، وتعلموا الدروس، وواجهوا تحديات فريدة من نوعها في زمانهم.
بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي عندما احتكر فيروس كوفيد-19 العناوين الرئيسية وأبعد الأحاديث الاجتماعية، عاد جيل “زد” للأسف تحت الأضواء، حاملًا معه توقعات ثقيلة من عالم يتوق لمعرفة إلى أين سيوجهنا. بعد سنوات قد تبدو للبعض راكدة، رغم أنها لم تكن كذلك، ظهرت العديد من المنشورات على “لينكدإن” و”فيسبوك” التي تنتقد ما يعتبره البعض تراخياً من هذا الجيل تجاه ضغوط العمل وكل ما يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية. تركت هذه المنشورات شعورًا عامًا بأن الشباب في العشرينيات من عمرهم اليوم غير مهيئين لمواجهة تحديات الحياة الحديثة. ورغم أن هذه الادعاءات قد تحمل بعض عناصر الحقيقة (لكنها لا تفعل)، إلا أن هناك، وراء الشاشات والهاشتاجات، فلسفة حقيقية تتطور، وهي قادرة على تفنيد شكوك وانتقادات الآخرين على المدى البعيد.
نعم، جيل “زد” يتخلى عن الأمور عند أول إزعاج. لا، لن يبذلوا جهودًا إضافية في العمل إذا لم يتماشى أجرهم مع الجهد الذي يبذلونه. نعم، يضعون حياتهم الشخصية فوق الأهداف المهنية والطموحات الوظيفية. فما رأيك في كل هذا؟ هل هم حقًا جيل يتسم بالاستحقاق والتجسيد الزائف للكسل كما يحلو للبعض أن يدعي؟ بالكاد. في الواقع، يبدو أنهم يطالبون بما هو عادل في عالم غالبًا ما يضع الربح فوق البشر. بعد أن رأينا والدينا يعملون بجد دون الحصول على مقابل يُذكر، هل يمكن حقًا أن نلوم هذا الجيل على رغبته في كسر هذا النمط وتغييره؟
@resumegenius we’re gen-z 😩 any more examples to add? #genz #genzatwork #officehumor ♬ original sound – Resume Genius | Career Advice
نشأنا بالكاد نحظى بوقت للاستمتاع مع كبارنا، لأنهم لم يكن لديهم وقت للتنفس. والآن، وهم يقتربون من التقاعد، يبدأون في التساؤل عما إذا كان كل ذلك يستحق العناء في النهاية. عادةً ما يأتي وضوح الرؤية مع مرور الوقت، وفي هذه الحالة، ليس الأمر مختلفًا. بعد قضاء حياتهم بين أربعة جدران مملة وخلف مكتب—بالنسبة للمحظوظين منهم—بدأ المزيد منهم في الوصول إلى استنتاج مفاده أنهم حُرموا من شبابهم وكل تلك اللحظات الثمينة مع أحبائهم الذين قد لا يكونون هنا الآن، وكل ذلك من أجل راتب ربما لم يكن يتناسب مع مقدار التضحيات التي قدموها. يدرك الكثير منهم الآن فقط أن ما اعتقدوا أنه “نمو مهني” قد جاء على حساب شخصي كبير جدًا. وما هو أكثر إيلامًا ربما هو أنهم ما زالوا يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم، حيث لم يتم الاعتراف بمساهماتهم أو تعويضهم بشكل كافٍ منذ البداية—وهو درس واقعي قاسٍ لأولئك الذين كرسوا حياتهم لتسلق السلم الوظيفي، ليجدوا أنفسهم في النهاية متأرجحين على حافة عدم الاستقرار المالي مرة أخرى.
أضف إلى ذلك حقيقة أنه في متوسط عمر 25 عامًا في عام 2024، شهد هذا الجيل انهيار البرجين في نيويورك، ومعظم البلدان في منطقتهم تمر إما بحرب أهلية، أو غزو، أو ثورة، ومروا بجائحة كاملة، وكذلك شهدوا مستويات من التضخم تجعل حتى أجدادهم يندهشون، وستجد جيلًا واجه عواصف أكثر قبل أن يصلوا إلى الثلاثين مما يواجهه معظم الناس في حياتهم بأكملها. منهكين، إن لم يكونوا مكتئبين، شباب اليوم يتعاملون مع أكثر من مجرد ديون القروض الطلابية، من الأزمات العالمية والاضطرابات الاقتصادية، وكل ذلك بينما يحاولون الحفاظ على قدر من العقلانية والتفاؤل. فمن يهتم حقًا بإرضاء رؤسائهم في ظل كل هذا؟
بينما نواصل البقاء على قيد الحياة بدلاً من عيش حياتنا، ومع تعرفنا أخيرًا على العيوب الكامنة في ثقافة الإفراط في العمل، ربما حان الوقت لإعادة تعريف معنى النجاح ووضع الرفاهية فوق الإنتاجية. لقد رأينا التأثيرات التي يمكن أن تحدثها، وللأسف، على صحة كبار السن، وكيف تآكل العلاقات وسرقت الجوهر الحقيقي لما ينبغي أن تكون عليه الحياة؛ فلماذا نواصل في نفس المسار إذا كان ذلك فقط لارتكاب نفس الأخطاء؟ ما عرفناه باسم “دائرة الحياة الطبيعية” يبدو أنه يتلاشى ببطء، ومع هذا التغيير، ربما حان الوقت للتراجع والتفكير في الانتقادات التي توجه إلينا من قبل أقراننا. على الأقل، يبدو أنه ضمن كلماتهم القاسية في بعض الأحيان وآرائهم الصعبة على السمع يكمن نوع من التقدير، لأننا اخترنا ألا نتبع القالب ونسلك طرقنا الخاصة بطريقة لم يتمكنوا هم من فعلها. ولأنهم لم يكن لديهم رفاهية الإدراك المتأخر، أليس بإمكاننا على الأقل أن نشكرهم على تحملهم ما لا يُحتمل نيابةً عنا وتمهيد الطريق لأساليب حياتنا البديلة؟