نود جميعًا أن نصدق أن الطريقة التي نتحدث بها عن أنفسنا هي طريقة محايدة، غير متأثرة بالتاريخ الذي شكّلنا. ولكن كيف نفسر الاستخدام العفوي لعبارات مثل “إحنا عرب” لتبرير السلوكيات السلبية، أو “عالم ثالث” للتنصل من المسؤوليات؟ عبارات مثل “مخي أوروبي” أو “مش زيهم” تحمل دلالات التفوق على المجتمعات التي ننتمي إليها. وهذا بعيد عن الحياد. فاللغة، كأي شيء آخر، هي بناء اجتماعي وسياسي، غالبًا ما يُصاغ من خلال السرديات الاستعمارية التي تعزز الخطابات المهيمنة.
مؤخرًا، وجدت نفسي أستخدم التعبير “إذا عرب خرب” في محادثة، ولم أتمالك نفسي من الإحساس بثقل التاريخ الكامن خلفه. توقفت للحظة، متأملاً في مدى تجذّر هذا الازدراء الذاتي في مفرداتنا اليومية، لغة تم تصميمها لتقزيمنا وجعلنا نشعر بالدونية. مهما اجتهدت في محاولة التخلص من هذه الأفكار، تأتي لحظات يخونك فيها لسانك ويعيد إنتاج التعابير التي كافحت للتخلص منها.
لم أُفاجأ لأنني قلتها، بل لأنني شعرت بأن دراستي في مجالات الدراسات الثقافية أصبحت بلا معنى إذا لم أستطع التحرر من الاستشراق العميق الذي درست تأثيراته بشكل واسع.
لا يمكننا تجاهل استخدام كلمة “عرب” لتعبير عن شيء “سيء” أو “أدنى” ولا تلك التعابير مثل “موعد عربي” أو “توقيت عربي” أو “سيدي العربي” التي تجسد كيف تسهم لغتنا في تقليص الهوية العربية إلى صور نمطية سلبية. هذه العبارات ليست عشوائية؛ إنها تعزز استقطاب القوة المتجذر في السرديات الاستشراقية التي تتسلل إلى خطابنا اليومي. وهذا هو بالضبط ما كشفته نظرية إدوارد سعيد عن الاستشراق، حيث قمنا باستيعاب هذه الأفكار، ليصبح “العربي” نقيضًا لما يعتبره الغرب “جيدًا” أو “حديثًا”.
لكن “الآخر” ليس مقتصرًا على “العربي” فحسب، بل يمتد إلى كل مجموعة عرقية غير غربية. على سبيل المثال، لا يزال مصطلح “بربر” مقبولًا على نطاق واسع، خاصة في قطاع السياحة، حيث تُستخدم مصطلحات مثل “قرية بربرية” و”ثقافة بربرية” و”مطبخ بربري” وكأنها كلمات عادية لا تحمل معنى سلبي. هذا دليل على ان المفردات التي نستعملها حول هوياتنا الاصلية هي مفردات استخدمها المستعمر أولا وسمح لنا باستخدامها ليجبرنا على التطبيع معها وكأنها هي التي تعبر عنا.
وينطبق هذا التفكير الاستعماري أيضًا على كيفية استخدامنا لمصطلحات مثل “العالم الثالث” لتعريف مناطق تأثرت بالاستعمار والإمبريالية. هذه المسميات تجعل دول بأكملها مجرد صور نمطية من التخلف، وتعزز انقسامًا حيث يُنظر إلى “العالم الأول” على أنه مرادف للتقدم والتنمية، بينما يُعتبر “العالم الثالث” رمزًا للتخلف والفشل. ليس هذا فقط، بل هذا الاستعمال يمحو الاستغلال التاريخي الذي أدى إلى هذه الاختلالات، ويضع المستعمرين السابقين كمنقذين خيريين.
وبالمثل، فإن مصطلحات مثل “الشرق الأوسط” أو “مينا” توضح كيف يتم استخدام الجغرافيا لفرض معانٍ محددة. لماذا لا نستخدم مصطلحات جغرافية محايدة مثل “جنوب غرب آسيا” أو “شمال إفريقيا” التي تصف المناطق بناءً على مواقعها الفعلية؟ تعزز “مينا” أوروبا كنقطة مرجعية، مما يعيد إنتاج عقلية استعمارية حيث تحدد أوروبا كيفية رؤية بقية العالم، ويجعل المناطق الأخرى تُعرض من خلال عدسة غربية تتسم بالتفوق والسيطرة. لذلك، يروج تبني المصطلحات الجغرافية الحيادية، ويعترف بالتاريخيات والهويات والتعريفات الذاتية المتنوعة.
يشكل الاستعمار الأوروبي أيضًا كيفية نظرنا إلى اللغة نفسها. خذ اللغة العربية على سبيل المثال، والتي غالبًا ما يتم اعتبارها لغة موحدة في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا جاء غالبًا على حساب اللغات الأصلية مثل الأمازيغية والنوبية والكردية، والتي تم تهميشها بشكل منهجي، مما يجعل الناطقين بها يشعرون بأن لغاتهم — وبالتبعية هوياتهم — أقل قيمة.
المشكلة تتجاوز الكلمات التي نستخدمها — إنها حول من يحق له أن يتحدث. فكر في عدد المرات التي يُستشهد فيها بالباحثين الغربيين كمرجعيات في قضايا “الشرق الأوسط”، بينما يتم تهميش مفكرينا، أو كيف يتم التعامل مع اللغة العربية كلغة “أجنبية” في الأوساط الأكاديمية العالمية، على الرغم من دورها المركزي في التاريخ الفكري للعالم.
إذا كنت متحمسًا لتغيير العالم، ابدأ بلغتك. مثل أي جهد نحو التغيير، لن يكون الأمر سهلًا. دعونا نستعيد لغتنا ونحتضن تعقيد تاريخنا وثقافاتنا وهوياتنا. دعونا ندفع نحو مصطلحات شاملة مثل “سوانا” أو “الجنوب العالمي”، ونرفض تهميش اللغات الأصلية لصالح العربية الموحدة. لن يكون الأمر سهلًا، ولكن أي جهد واعٍ لاختيار كلمات تعكس حقيقتنا هو خطوة نحو فك الاستعمار عن عقولنا ومستقبلنا.
في هذه الأثناء، دعونا نتذكر كلمات بيل هوكس القوية: “اللغة هي أيضًا ساحة للنضال. يكافح المضطهدون في اللغة لاستعادة أنفسهم، للتصالح، لإعادة الاتصال، وللتجديد.”
الصورة المميزة: Patuo’kn Illustration and Design.