هكذا يتعامل الشباب اللبناني مع المشاكل النفسية

لبنان يمرّ بمرحلة غاية في القسوة... ولا أحد يدري إلى متى ستستمر

لا يمر يوم دون أن تتصدر أخبار لبنان المأساوية والحزينة عناوين الصحف الدولية، تلك الدولة التي كان يطلق عليها سابقاً اسم سويسرا الشرق الأوسط غارقة في بحر من الكوارث والمشاكل التي لا تنتهي في ظل حكومة فقدت ثقة شعبها.

لقد اشتدت الأزمات على لبنان وتوالت الكوارث الواحدة تلو الأخرى، ففي أواخر عام 2019، تسبب نظامها الاقتصادي المنهار المنغمس في الفساد في إغراق البلاد في أزمتها الاقتصادية الأولى، تبع ذلك عدد من الأحداث المأساوية التي أثّرت على جميع جوانب حياة المواطن، ناهيكم عن الكوارث الطبيعية التي لا يمكن التنبؤ بها والتي ضربت البلاد، لتتبعها أزمة القمامة ومن ثم الوباء العالمي، فضلاً عن الاضطرابات السياسية والاقتصادية والتي توالت جميعها لتسبب دمار حياة الملايين من المواطنين وتشريد الكثيرين.

بين معالجة ما مر من أحداث كارثية والخوف مما قد يحدث لاحقاً، بات من الصعب أن نتخيل مدى صعوبة أن تعيش في لبنان الآن. من انفجار الميناء والأزمة الاقتصادية الكارثية إلى سوء إدارة وباء كوفيد – 19، يُعاني اللبنانيون اليوم من مشاكل نفسية كبيرة وهم الشعب المعروف بأنه من أكثر الناس مرونة وتحملاً للأزمات في العالم، ولكن إلى أي حد يمكنهم تحمل ما لحق بهم؟

وبهدف فهم ما يعاني منه اللبنانيون سألنا 4 شبان لبنانيين عن طريقة التأقلم مع هذه الكوابيس المتتالية التي تختبرها البلاد.

مريام سعد

لقد أدى الوضع الكارثي في لبنان بالفعل إلى تدهور الصحة النفسية لدى الشباب اللبناني، بالرغم من أنّ الظروف المعيشية لم تكن مثالية في البلاد، إلا أننا كنا في الماضي نسعى بشتى الوسائل للعثور على طريقة للاستمتاع بالحياة وتقدير جوانب معينة من البلاد، أما في ظل السياق الحالي فقد بات من المستحيل التنقل بسبب نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وبالتالي صعوبة الوصول إلى الإنترنت والاحتياجات الأساسية مثل حفظ الطعام أو تشغيل وسائل التكييف أو الحصول على المياه. 

وفي هذا السياق، تشهد البلاد تحولاً كبيراً في أولويات كل شخص يعيش في لبنان ويطمح في البقاء على قيد الحياة، وقد أصبحت فكرة السعادة الفردية أو الرضا في طي النسيان. وحيث أنّ الفقر وعدم المساواة التي تشمل البلاد تسلط الضوء على التناقضات الاجتماعية والاقتصادية الشديدة، بات من الصعب التذمر أو الشكوى لأنّ العديد من الناس قد يعانون من مشاكل مادية قد تكون أسوأ مما تعاني. أعتقد أنّ الطريقة الوحيدة للتأقلم هي البحث عما يمكن فعله يومياً، وأن تكون ممتناً للموارد النادرة التي لا يزال بإمكان قلة قليلة من الناس الحصول عليها ومساعدة شخص محتاج كلما أمكن ذلك.

بالرغم من أنّ لدي طرقي الخاصة للتخلص من التوتر، مثل التجوّل في الطبيعة أو الذهاب للتخييم أو ممارسة هوايات لا تتطلب كهرباء، إلا أنّه من الصعب للغاية القيام بذلك بسبب نقص الوقود، كما أنّه من المستحيل الانفصال عن الواقع عندما تعلم أن معظم الأشخاص الذين تعرفهم يكافحون للعثور على الطعام أو الدواء أو المال. تكمن الراحة النفسية الحقيقية والوحيدة في الانخراط في الاحتجاجات والمظاهرات الاجتماعية الجارية في البلاد للتعبير عن النفس وإظهار التضامن مع الآخرين، وهي أمور بالكاد يمكن فعلها في بعض الأحيان بسبب صعوبات التنقل وارتفاع درجات الحرارة والتعب النفسي بسبب تقاعس الطبقة السياسية عن إيجاد الحلول.

أحمد خوري، 24 عاماً

بالرغم من أنني فقدت الشعور بالأمان منذ فترة طويلة، إلا أنّ الانفجار الذي هز بيروت جعلني في خوف دائم من حدوث كارثة جديدة أو فقدان شخص ما أو الاضطرار إلى تحمل المزيد من النضال الذي لا نهاية له. لقد تظاهرت بالقوة والثبات لفترة من الزمن، ولكن مع استمرار الأمور في التدهور بدأت أفقد عزيمتي للقتال وإسماع صوتي. بالرغم من أنني بصحة جسدية جيدة إلى حدٍ ما، إلا أنني أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة الذي لا يزال من الصعب التأقلم معه. لقد ابتعدت عن منطقة الميناء لأن مجرد المرور من هناك يتسبب لي بنوبات هلع وضيق بالتنفس. إن البحث عن المساعدة ليس بالأمر السهل كما أنني لا أنشد في هذه المرحلة الشفاء بل مجرد البقاء على قيد الحياة في خضم هذا الجحيم الذي يخيّم على الأرض. بالرغم من أني على وشك أن أفقد صبري إلا أنني أسال الله أن تتحسن الظروف.

رانيا يوسف، 23 عاماً

لقد أثرت الأحداث الأخيرة التي هزت لبنان على الصحة النفسية للجميع، نحن غير قادرين على العمل أو إنجاز المهام اليومية البسيطة. إن التواجد في سيارة أجرة كل يوم والاستماع إلى السائقين وهم يتحدثون عن ضيق العيش وعدم قدرتهم على توفير لقمة العيش لأطفالهم أو الحصول على الدواء بات من مسلمات الأمور الروتينية. وبالرغم من أنني أنفجر بالبكاء في كل مرة….. إلا أنني مضطرة للاستماع إلى نقاشاتهم، إن لم أستمع إليهم فمن سيفعل ذلك؟ أحاول قدر الإمكان تجاوز هذه الأزمة بالتنقل من مقهى إلى آخر في محاولة للاتصال بشبكة الانترنت لأتمكن من العمل، أو من خلال الخروج مع الأصدقاء وتفادي البقاء بمفردك طوال الوقت. بالرغم من أنني أحب قضاء بعض الوقت مع نفسي، إلا أنني لاحظت مؤخراً أن التواجد بمفردي مع أفكاري كان أمراً يصعب تحمّله، فمن من الصعب حقاً الانفصال عن الواقع. إذا رغبت بالنوم فلا يمكنك التمتع بنوم هادئ بسبب الحرارة الشديدة وانقطاع الكهرباء، وإذا كنت ترغب في رؤية الأصدقاء ستجد أنّ معظمهم إما قد سافروا أو لا يمكن الوصول إليهم بسبب عدم توفر الوقود، أما في حال أردت الذهاب إلى السوبر ماركت لشراء البقالة فسوف تصطدم بارتفاع الأسعار. بشكل عام، بات التنعم بقسط من الهدوء والراحة ضرباً من الخيال..

مايا بذري، 21 عاماً

لقد جعلتني الأوضاع الحالية في لبنان في ترقب مستمر لما سيحدث بعد ذلك وكيف يمكن أن يزداد الوضع سوءاً. بالرغم من أنني شاركت في ثورة 17 أكتوبر، واختبرت تجربة مرهقة ومثيرة للتوتر بشكل كبير، إلا أنني لم أعد أكترث لشيء بعد الآن. كانت مشاركتي بالاحتجاجات نابعة من شعوري بالمسؤولية، رغم اعتقادي بأنّها أمر ميؤوس منه. بصراحة لم أعد أكترث لشيء وبت أتجنب التفكير في هذا الموقف لطالما جعلني أشعر بالعجز واليأس. في الواقع، إنّ مجرد النظر إلى المتظاهرين ورؤية غضبهم يملأ قلبي بالحزن والغضب، ولكنه لا يلبث أن يتلاشى قبل أن يصل إلى الذروة. يمكنني أن أقول لك لا تستسلم، إلا أنني لا أقولها بضمير حي، لطالما أنا نفسي قد استسلمت في كثير من الأحيان وسيبدو الأمر وكأن أعمى يجر أعمى.

مريام خليل، 26 عاماً

منذ أن بدأت الكوارث بالتوالي، تغيرت عاداتي في النوم والأكل والحياة، ولم أعد أقوى على فعل الأشياء التي أحبها، بت أمشي في الشوارع ليلاً على ضوء مصباح هاتفي لأن الشوارع غير آمنة وغارقة في ظلام دامس.

ناهيكم عن أن الوضع الطبي ينهار أيضاً، حيث لا يتوفر الدواء، كما أنّ الكثير من الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة قضوا الأسبوع أو الأسبوعين الماضيين دون علاج مما جعل صحتهم عرضة للخطر، وحتى لو وجدوا الأدوية التي يحتاجونها، فإنهم في بعض الأحيان غير قادرين على تحمل تكاليفها. تحاول أن تتمتع بجرعة من الإيجابية … هذا مستحيل لأننا نعيش مرحلة حرجة.

ومن الجدير بالذكر أنّ المجتمع قد سلط الضوء على الصحة النفسية وكيفية العناية بحالتك النفسية خلال هذه الأوقات الصعبة. ولكن مع الأسف توقفت خدمة الخط الساخن الخاصة بحالات الانتحار في لبنان بسبب انقطاع التيار الكهربائي، مما أثر سلباً على السكان الذين كانوا يعتبرونها ملاذاً آمناً لهم. أتمنى لو كان لدي نصيحة لتقديمها، لكن لسوء الحظ، ليس باليد حيلة. لقد فقدت الأمل في تغيّر الوضع في لبنان، فليشهد العالم بأننا نقتل كل يوم بيد حكومتنا.

*disclaimer: some names may have been changed for confidentiality purposes

شارك(ي) هذا المقال