مصر وإيجيبت: حكاية عن تناقضات متطرفة

تأمل في التضخم، النخبوية، وتآكل الأصالة في مصر الحديثة

تتميز مصر بتناقضاتها الحادة، وربما يكون هذا ما يجعل حس الدعابة فيها مميزًا للغاية. ومع ذلك، فإن المزاج العام السائد في البلاد اليوم هو إحباط عميق، يعكس مظالم يصعب التغلب عليها. هذا البلد الذي كان يومًا نابضًا بالحياة ومعروفًا بصلابته في مواجهة الشدائد، يجد نفسه الآن يكافح، يعاني من التفاوتات الاجتماعية والفوارق المتزايدة التي تمزق نسيجه الاجتماعي.

الإحصائيات المتداولة حول الوضع الاقتصادي للبلاد مثيرة للقلق. وفقًا لبيانات Statista، يعيش 27% من السكان تحت خط الفقر، بينما يسيطر القلة المحظوظة، الذين يُطلق عليهم “1%”، على نسبة غير متناسبة من ثروات البلاد. التضخم المتزايد يعمق هذا التفاوت، حيث يُدفع ذوو الدخل المحدود إلى مآزق مالية أعمق مع استمرار ارتفاع تكاليف الاحتياجات اليومية. الطبقة الوسطى التي كانت يومًا صلبة، تترنح الآن على حافة الانقراض. أما بالنسبة لمن يعتمدون على دخول ثابتة أو متواضعة، فقد أصبح توفير المال أو الاستثمار في المستقبل حلمًا بعيد المنال، تآكل بفعل الديون المتزايدة وتراجع القوة الشرائية. في الوقت نفسه، تظل النخبة في القاهرة بعيدة عن التأثر، محمية بثرواتها واستثماراتها.

@yehia_elnemr 😂😂#fyp #foryou #tiktok #viral #fypシ #famous #egypt#مصر #😂 ♬ original sound – yehia

 

أدت هذه الحقائق إلى ظهور ظاهرة ثقافية تجسد هذا الانقسام: التناقض بين “إيجيبت” و”مصر”. ما بدأ كمزحة خفيفة تحول إلى تعليق اجتماعي مؤثر. الجدل يتمحور حول مصرين: واحدة غارقة في الترف والامتياز، والأخرى متجذرة في الكفاح والكدح.

أصبحت مصطلحات مثل “بلدي” و”بيئة” أدوات للتمييز الطبقي. مصطلح “بلدي” الذي كان يشير إلى المحلي أو الريفي، تحول إلى وصف يحمل دلالات اجتماعية سلبية. أما “بيئة”، التي تُشتق من الكلمة العربية “بيئة”، فقد أصبحت تعني “سوقي” أو “غير متحضر”، وهو تصور يرتبط عادة بالطبقات الدنيا.

يتجاوز تأثير هذه المصطلحات اللغة إلى الثقافة اليومية. الأطعمة التي تعتبر من أساسيات المائدة المصرية، مثل الفول والطعمية، يتم التقليل من شأنها ووصفها بأنها طعام “غير مثقف”. السيارات، العلامات التجارية للملابس، وحتى وجهات العطلات تُنظر إليها من منظور طبقي. السيارة المستعملة، الملابس المتواضعة، أو قضاء الإجازة في مدينة ساحلية بسيطة قد تعتبر جميعها “بيئة”.

حتى اللغة أصبحت معيارًا للتمييز الطبقي. إتقان اللغة الإنجليزية، أو عدم إتقانها، أصبح رمزًا للطبقة الاجتماعية، حيث يُنظر إلى اللهجات أو الأخطاء اللغوية على أنها “بيئة”. هذا الموقف يعزز احتقارًا اجتماعيًا يصرف التطلعات بعيدًا عن الإنجازات الحقيقية نحو التظاهر بالتماشي مع معايير سطحية.

في هذا الواقع المتناقض، يظهر نموذجان. الأول هو “إيجيبت”، الذي يمثل الطفل المتعلم في مدارس خاصة، المتمكن من اللغة الإنجليزية، والذي يعيش في مجتمعات مغلقة ويقضي عطلاته في وجهات فاخرة مثل مراسي أو هاسيندا. هذا النموذج يتجنب فوضى شوارع القاهرة ويعيش داخل فقاعات من الامتيازات.

على الجانب الآخر، تقف “مصر”، مصر الناس الحقيقيين. حيث يحتفي هؤلاء بأصولهم، يستمتعون بصخب الحياة في الشوارع، ويفخرون بثقافتهم. سواء كانوا يتناولون سندويتش فول من عربة على ناصية الطريق أو يقضون عطلاتهم في مدن ساحلية بسيطة، فإن هذه الفئة تعبر عن نفسها دون خجل.

النقاش حول “إيجيبت” و”مصر” ليس مجرد اتجاه عابر على تيك توك؛ بل هو انعكاس للانقسامات العميقة التي تعرف المجتمع المصري اليوم. وبينما نواجه هذا الواقع من خلف شاشات هواتفنا، ربما يجب أن نتوقف ونعيد النظر في كيفية استجابتنا له. قد تكون هذه فرصة للتوقف عن النظر إلى الآخرين بدونية بغض النظر عن أصولهم. إنها دعوة للتفكير فيما يعنيه أن تكون مصريًا.

في نهاية المطاف، أن تكون مصريًا لا يعني قضاء صيفك في منتجع خمس نجوم أو إنفاق مبالغ طائلة. دعونا نكسر هذه الفقاعة ونعمل على الفخر بأننا جميعًا ننتمي إلى نفس المكان—”مصر”.

شارك(ي) هذا المقال