بعد عام تقريبًا من آخر ظهور لها على الشاشة، تعود المخرجة والممثلة اللبنانية الشهيرة نادين لبكي في فيلم “من وراء الموج”، وهو دراما خيالية عُرض لأول مرة على منصة نتفليكس في 24 يناير.
الفيلم من إخراج المخرج الأمريكي ماتّي براون، المرشح لجائزة إيمي، ويروي قصة مشوقة لعائلة مكونة من أربعة أفراد يجدون أنفسهم عالقين في جزيرة صحراوية غامضة، حيث يبدأ سرٌّ دفين في تشويه إدراكهم للواقع. وبينما تحاول العائلة التواصل مع العالم الخارجي، تدفعهم العزلة إلى مواجهة مخاوف دفينة وتوترات غير محلولة وحقائق مؤلمة. في قلب هذه الاضطرابات، تكمن معركتهم لحماية أصغر أفراد الأسرة، جنى، بينما يهدد تفكك الروابط الأسرية بتدميرهم تمامًا. ومع تقدم الأحداث، يزداد تلاشي الحدود بين الحقيقة والخيال، ما يدفع كل فرد لمواجهة تداعيات أفعاله ودوره في اللغز المتفاقم.
فيما يخص اختيار الممثلين، استعان براون بنادين لبكي في دور الأم، إلى جانب الممثل الفلسطيني البارز زياد بكري في دور الأب، والنجم زين الرفيع، الحائز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان لعام 2018، في دور الابن. وما زاد من واقعية الفيلم وتأثيره هو مشاركة شقيقة زين الحقيقية في تجسيد دور شقيقته على الشاشة، ما أضفى بعدًا حقيقيًا وعاطفيًا على الأحداث.
بمناسبة إطلاق “من وراء الموج”، التقينا بماتي براون في حوار سريع، تناولنا فيه أصل فكرة الفيلم، واختياراته لكل ممثل، والرؤية الفنية التي شكلت الطابع الفريد للعمل.
من أين استوحيت فكرة هذا الفيلم؟
ماتي براون: “بدأت بكتابة القصة عندما كنت طفلًا. نشأت في بيئة صعبة دفعتني إلى ابتكار حكايات تجعل واقعي أكثر احتمالًا وكنت أكتب باستمرار في محاولة لفهم ما يدور حولي. كانت الشرارة الأولى لفكرة “من وراء الموج” حلم راودني في إحدى الليالي. لا تزال آثار صدمات الطفولة تلازمني حتى اليوم، لكن مقارنةً بما يعيشه الأطفال في مناطق النزاع والنزوح، فإن تجربتي تبدو ضئيلة. من الصعب تصور كيف يتحمل هؤلاء الأطفال هذه القسوة التي تسرق طفولتهم وتجبرهم على النضوج قبل أوانهم.
أردت استكشاف كيف يحمي عقل الطفل نفسه من أهوال الواقع وكيف يحتمي بالخيال. ثم كان السؤال “ما الذي يحدث عندما يبدأ الحاجز بين الواقع والخيال بالانهيار تحت وطأة الحقيقة؟” فالحرب والموت مفهومان مجردان بالنسبة للطفل، لا يستوعبهما كما يفعل البالغون. لذا، علينا أن نرى القصة من وجهة نظرهم، وأن ننغمس في تعقيدات العقل الطفولي وهو يحاول التكيف مع الصدمة.
يعكس الفيلم هذا الواقع القاسي المستمر في عالمنا. آمل أن يكون الفيلم وسيلة لغرس التعاطف ويحث على حماية الأطفال قبل أن ينطفئ نورهم.”
أضفى اختيار الممثلين في فيلم “من وراء الموج” على القصة بعدًا عاطفيًا عميقًا. كيف تم اختيار كل ممثل لدوره؟
ماتي براون: “كنت واثقًا منذ البداية أن زين هو الأنسب لدور آدم. أداؤه في كفرناحوم كان مذهلًا بواقعيته وعفويته، وشعرت أنه يمتلك قدرة فريدة على نقل المشاعر بصدق. نادين لبكي، التي كانت مصدر إلهام كبير لي، سهلت التواصل معه، وكان من المنطقي أن تجسد دور والدته. حضورها القوي وتعبيرها العاطفي جعلاها الخيار المثالي.
خلال مكالمات الفيديو مع زين، لفتتني شقيقته ريمان في الخلفية، إذ كانت قريبة جدًا من عمر الشخصية في الفيلم. شعرت أن وجودها سيضيف طبقة جديدة من الواقعية، فقررت إسناد دور شقيقته إليها.
أما زياد بكري، فبمجرد لقائي به، أدركت أنه الأنسب لدور نبيل، الأب. لديه روح حساسة تنعكس بوضوح أمام الكاميرا، وهو ما كنت أبحث عنه لتجسيد هذه الشخصية بعمق وصدق.”
الحوار في الفيلم محدود، مما يترك مساحة للمشاهد لتفسير الأحداث بطريقته الخاصة. هل كان هناك هدف فني وراء هذا النهج؟
ماتي براون: “غالبًا ما يكون الأطفال الذين يواجهون الصدمات أكثر صمتًا وتأملًا، فهم يراقبون محيطهم دون تعبير مباشر عن مشاعرهم. كان من الضروري إبقاء جنى في منطقة من الغموض، حيث لا تدرك تمامًا حقيقة ما يجري من حولها.
يبدأ الفيلم في جو ضبابي، حيث تغوص جنى في عالم من الخيال، لكن التوتر العائلي يخترقه تدريجيًا، ليصبح أكثر اضطرابًا. تواجه العائلة ظروفًا معقدة ولا يرغب أي والد في كشف الحقيقة لطفله. عبر استخدام تصميم الصوت والإيقاع البطيء المتصاعد، سعيت إلى خلق عالم يبدو آمنًا في البداية، لكنه يتشقق مع تسلل الواقع إلى خيال جنى. مهما حاول والداها حمايتها، تفرض الحقيقة نفسها. وهنا تكون المواجهة أواقعًا لا مهرب منه”
عند العمل مع الممثلين الأطفال على مشاهد بهذه الكثافة العاطفية، كيف تساعدهم على التكيف مع المتطلبات العاطفية للأداء؟
ماتي براون: “يتمتع كل من زين وريمان بنضج يفوق سنهما. لم تكن طفولتهما سهلة، فقد نَشآ في لبنان وواجها العديد من التحديات. زين موهوب بشكل مذهل، وأدهشني بقدرته على الانتقال بين المشاعر المختلفة بسلاسة.
أما ريمان، فهي طفلة مميزة، أضفت روحها المرحة خلال التصوير طاقة إيجابية ساهمت في تقليل التوتر أثناء المشاهد المشحونة عاطفيًا. كنت أحرص على أن أشرح لها كل مشهد بأسلوب يشبه القصص، مما ساعدها على الاندماج بسهولة. المثير للاهتمام أن المشاهد الأكثر عمقًا وتأثيرًا كانت أيضًا الأكثر متعة لهما خلال التصوير، وذلك بفضل ديناميكيتها وكثرة الحركات والمؤثرات البصرية العملية التي أضفت جوًا مختلفًا.”