أمس، كان يومًا حزينًا لمحبي موسيقى الشعبي، حيث فقدت الساحة أحد أعمدتها الأساسية: أحمد عدوية. وُلد أحمد محمد مرسي في 26 يونيو 1945، وحقق شهرة كبيرة بأغنيته الشهيرة “السح الدح أمبو” عام 1973. ورغم أن عنوان الأغنية لا يزال غامضًا ويصعب ترجمته، فإن تأثيرها الثقافي كان واضحًا ولا يحتاج إلى تفسير. تم تسجيل الأغنية على أشرطة الكاسيت في وقت رفضت فيه الإذاعات الرسمية صوته، ليصبح رمزًا حيًا للتحدي وصمود الطبقة العاملة في مواجهة الطبقية والاستعلاء الاجتماعي.
يرى كثيرون أن صعود عدوية كان انعكاسًا للظروف الاجتماعية التي عاشها. فقد تزامن نجاحه في أواخر الستينيات والسبعينيات مع التحولات الجذرية التي أحدثتها سياسات الانفتاح الاقتصادي للرئيس أنور السادات. ساهمت هذه السياسات في تعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما حدّ من طموحات الطبقتين الوسطى والعاملة. في هذا السياق، جاءت موسيقى عدوية لتمنح صوتًا لجيل محبط يعاني من خيبة الأمل. بألحانه وكلماته الساخرة والجريئة، عبّر عن واقع الحياة اليومية بطريقة حقيقية وصادقة جعلت الناس يشعرون بأنها تمثلهم.
في عصر كانت فيه الموسيقى تُصنف ضمن قوالب محددة، شق عدوية طريقه الخاص وصنع فئة موسيقية مميزة له. آنذاك، كان هناك اتجاهان رئيسيان للموسيقى: الأول تمسك بالألحان العربية الكلاسيكية، والثاني اتجه نحو التأثيرات الغربية كنوع من التمرد على الأشكال التقليدية. أما موسيقى عدوية، فقد كانت مزيجًا خاصًا من السخرية والصدق، لامست قلوب من خاب أملهم في وعود الحداثة، وجعلته صوتًا للأغلبية المهمشة.
تحدى عدوية هيمنة كبار الفنانين مثل محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ. واستطاع أن يُبرز صوته بفضل أشرطة الكاسيت، التي كانت سلاحه الفريد ضد هيمنة صناعة الموسيقى التقليدية. في وقت كان فيه الفنانون يحصلون على الشرعية من خلال البث الإذاعي، ازدهر عدوية خارج هذا الإطار، مستعينًا بالأشرطة المحمولة التي جلبها العمال العائدون من الخليج. أتاحت له هذه الأشرطة تجاوز الحواجز النخبوية، لتصل موسيقاه إلى الجماهير مباشرة، متجاوزًا قيود الصناعة التقليدية.
على سبيل المثال، عندما رفضت المحطات الإذاعية الرئيسية بث أغانيه ووصفته بـ”المبتذل”، نجحت أشرطته في تجاوز تلك القيود، لتضعه في مقدمة المشهد الفني. وبحلول عام 1976، تجاوزت مبيعات أشرطته الجميع، بما في ذلك أشهر قراء القرآن الكريم في مصر.
غنى عدوية بلهجة قريبة من لغة الشارع القاهري، مركّزًا على نضالات الناس العادية وأفراحهم وتحدياتهم، لتصبح موسيقاه نبض جيل بأكمله. تجاوزت موسيقاه الرقابة الرسمية، وأثبتت أن أي محاولة لقمع صوت صادق وحقيقي محكوم عليها بالفشل.
اليوم، يستمر إرث عدوية من خلال موسيقى المهرجانات. هذا النوع الذي وُلد على يديه، ووصفته النخب يومًا بأنه “منحط”، تطور ليأخذ أشكالًا جديدة، مع الحفاظ على نبضه الأصيل. أصبحت موسيقاه، التي أثرت على القوائم الموسيقية وسيطرت على قوائم التشغيل، رمزًا دائمًا للتعبير الحر. فقد سلم عدوية الميكروفون لكل فنان يجرؤ على قول الحقيقة، مهما كان الثمن.