أوراق اللعب الأولى: كيف صنعت مصر أول مجموعة ووزعتها على العالم

نسمي أنفسنا أم الدنيا لسبب وجيه

لدينا جميعًا مجموعة من أوراق اللعب مهملة في أحد الأدراج، ولكن هل تعلم أن فن تمضية الوقت بأوراق اللعب يعود بجذوره إلى مصر؟ قبل أن تصبح أوراق اللعب رمزًا للترفيه الأوروبي، كانت تمثل ثقافة وفنًا وتفاعلًا اجتماعيًا تحت حكم المماليك، حاملةً إرثًا يمتد عبر القرون.

قصة نشأتها أكثر إثارة مما يتصور الكثيرون. بينما تنسب أوروبا لنفسها الفضل في ابتكار أوراق اللعب الحديثة، ظهرت أوراق اللعب بشكلها الأول في القرن الثالث عشر بمصر. لم تكن تلك الأوراق مزينة بصور الملوك والملكات كما نعرفها اليوم، بل كانت مزخرفة بنقوش هندسية معقدة وخط عربي متقن، بما يتماشى مع تقاليد الفن الإسلامي الذي يتجنب تصوير البشر.

 

مع بداية القرن الرابع عشر، شقت هذه الأوراق طريقها غربًا عبر طرق التجارة، حيث جلبها التجار العرب إلى أوروبا. عُرفت حينها باسم “أوراق النائبي”، وسرعان ما أثارت اهتمام عمال الموانئ في البحر الأبيض المتوسط. بمرور الوقت، تحولت تصميماتها المجردة ورموزها الفريدة، مثل عصي البولو والسيوف والكؤوس والعملات—التي كانت مرتبطة بالنخبة المملوكية—لتتناسب مع الثقافة الأوروبية، لتتحول تدريجيًا إلى الأشكال المألوفة اليوم: القلوب، والبستوني، والألماس، والنوادي.

لم تكن التغييرات التي طرأت على أوراق اللعب مجرد تغييرات جمالية، بل كانت انعكاسًا للديناميكيات الثقافية والسياسية المتغيرة في ذلك الوقت. فعندما اكتشفت الأساطيل الأوروبية التصاميم المملوكية، استبدلت الزخارف المجردة التي كانت تمثل الملوك والملكات والفرسان برسومات أكثر واقعية، مخالفةً بذلك المعتقدات الدينية التي كانت تحكم تصميم اللعبة. وتشير بعض الروايات إلى أن إعادة التصميم ربما كانت خطوة متعمدة لإزاحة التجار المسلمين وإبراز الهيمنة الأوروبية على التجارة، وكذلك على الثقافة التي انتقلت عبر تبادل السلع على طول الطرق التجارية.

 

بحلول القرن الخامس عشر، أعادت فرنسا تصميم أوراق اللعب بالكامل، لتصبح النموذج المعياري في جميع أنحاء أوروبا. وعندما عادت الأوراق إلى العالم العربي، كانت قد فقدت هويتها الأصلية تمامًا، وتحولت إلى شيء غريب عن مبتكريها الأوائل.

ومع تلاشي التصاميم المملوكية الأصلية، تحول ما بدأ كرمز للتبادل الثقافي إلى رمز للانقسام. الأوراق التي كانت تحتفي بالرقي والأناقة في مصر المملوكية استُبدلت تدريجيًا بأخرى تخفي أصولها، دون أي اعتراف أو تذكير بجذورها. واليوم، عندما يمسك معظم الناس أوراق اللعب، قليلون فقط يعرفون قصتها الحقيقية. تظل جذورها الإقليمية مخفية، شبه منسية، ضائعة في زحمة الزمن.

شارك(ي) هذا المقال