مبدعون سوريون يشاركون آمالهم لوطن نال حريته حديثًا

سوريا حرّة

على مدار أكثر من عقد، كانت سوريا محورًا لأحد أكثر الصراعات دمارًا في القرن الحادي والعشرين. بلدٌ كان يومًا ما مزدهرًا، يُعرف بتاريخه العريق وثقافته الغنية، أصبح ممزقًا بسبب حرب أهلية شرسة أدت إلى نزوح الملايين وتحويل مدنه إلى أطلال. بدأت الأزمة عام 2011 كاحتجاجات سلمية، لكنها سرعان ما تصاعدت إلى حرب معقدة شاركت فيها قوى محلية وإقليمية وعالمية. اليوم، وبعد سنوات من المعاناة التي لا تُوصف، دخلت سوريا فصلًا جديدًا: التحرر. برزت ملامح سلام هش لكنه واعد، يُبشر بإمكانية إعادة بناء البلاد واستعادة هويتها الثقافية. وفي هذه اللحظة التاريخية الفارقة، تحدثنا مع مبدعين سوريين عن رؤاهم وآمالهم لسوريا المحررة.

سارة، 29 عامًا

بعد تحرير سوريا، اجتاحتني مشاعر مختلطة، كل واحدة منها حملت لي حقيقة جديدة. في البداية، شعرت بصدمة كبيرة – كل شيء حدث بسرعة لم أكن أتوقعها. ثم جاءت موجة من التأثر العميق وأنا أشاهد مشاهد الاحتفالات وصور إطلاق سراح الأسرى. ومع ذلك، كان هناك أيضًا شعور بالقلق يلوح في الأفق. لم أستطع تجاهل حالة عدم اليقين بشأن ما قد يحدث لاحقًا. لكن في النهاية، اخترت أن لا أستسلم للتشاؤم أو اليأس. شعرت بالأمل والإلهام والطاقة. أدركت أن الشك والحذر أمران طبيعيان، ولكن كذلك هو الحق في الفرح في لحظات التحرر.

الأحداث الأخيرة في سوريا أعادت تذكيري بالقيم التي أريد أن أعيش من أجلها وأدافع عنها. لقد غيرت طريقة تفكيري حول الثورة والعدالة والتحرر. أوضحت لي أن التحرر الحقيقي لا يأتي من أنظمة قمعية أو خطط تفرض من الأعلى، بل يأتي من إرادة الناس – من مقاومتهم وتحركاتهم. سوريا وشعبها وسّعت مداركي. بدلًا من الوقوع في فخ التشاؤم، أشعر بالإلهام والإيمان بأن حركات الشعوب تظل القوة الحقيقية للتغيير حتى في مواجهة تحديات ضخمة.

أملي أن يحقق الشعب السوري تحرره الحقيقي – أن يعود اللاجئون إلى وطنهم، وأن يحظى من وُلدوا في الخارج بفرصة زيارة سوريا. بالنسبة لي، لم أزر سوريا منذ 15 عامًا. لا أعرف إذا كان ذلك ممكنًا، لكن إذا تحقق، سيكون حلمًا كبيرًا. أتمنى أن تتحقق الأحلام التي ضحى الناس من أجلها. أتمنى ظهور مجتمع ديمقراطي عادل وشامل. بالطبع، أنا لست غافلة عن تعقيد الأوضاع. أدرك تمامًا التلاعبات الخارجية والطريق الطويل أمامنا. لكن أملي بسيط: أن يحصل السوريون على حقوقهم وكرامتهم وإنسانيتهم التي طال انتظارها. إنهم يستحقون ذلك وأكثر.

لانا، 30 عامًا

كسورية تعيش في المهجر، كان سماع خبر تحرير سوريا تجربة عاطفية عميقة. كان مزيجًا من الفرح والفخر والحنين – لحظة حلوة ومرّة في آن واحد. شعرت براحة هائلة وأمل في المستقبل، لكنها أعادت لي أيضًا ذكريات عن المسافة التي تفصلني عن وطني. ذكّرتني بالتضحيات التي قدمها السوريون داخل البلاد وخارجها، والمسؤولية المشتركة التي نحملها جميعًا لإعادة بناء ما دُمر.

أحلم بسوريا تزدهر فيها قيم السلام والاستقرار والفرص – بلد لا يضطر أهله إلى مغادرته بحثًا عن مستقبل أفضل. كواحدة من عائلة غادرت لبناء حياة جديدة، أحلم بالعودة يومًا ما لأساهم بما تعلمته واكتسبته هنا. أؤمن أن من واجبنا نحن السوريين في المهجر أن ننقل المهارات والمعرفة والموارد التي اكتسبناها إلى وطننا، لنساهم في إعادة بنائه وتقويته ليصبح مصدر فخر وأمل للأجيال القادمة.

أتمنى رؤية سوريا حيث يشعر الجميع بأن لديهم مستقبلًا. بلد يُعاد بناؤه بالتعاطف والشمول ورؤية للتقدم. أتمنى أن تزدهر مدنها، أن يدعم اقتصادها الابتكار، وأن تحترم مؤسساتها قيم العدالة وكرامة الإنسان. أحلم بسوريا تستقبل أهلها من جديد، حيث نحول الأحلام التي سعينا لتحقيقها في الخارج إلى واقع داخلها.

داليا، 30 عامًا

عندما سمعت الخبر لأول مرة، كنت أعجز عن استيعابه. أختي اتصلت بي باكية، وعلى تطبيق واتساب تلقيت مقطع فيديو يُظهر تمثال حافظ الأسد وهو يسقط على يد الشعب. بعدها بقليل، أرسلت لي أمي فيديو للأخبار وهي تصور الشاشة، وصوت بكائها يتردد في الخلفية. أكثر ما فكرت فيه كان جدتي، التي أُجبرت على مغادرة سوريا منذ سنوات. هي الآن في الخامسة والثمانين، وفكرة عودتها إلى وطنها أبكتني. لا أستطيع الانتظار لرؤيتها تزور منزلها وبلدتها الصغيرة، تلكلخ.

أتمنى أن تصبح سوريا مكانًا للجميع، كما كانت تستحق دائمًا أن تكون – وطنًا شاملاً يتسع للجميع. وطنًا يمكن لأطفالنا زيارته ولمسه والشعور بجماله. ورغم تحررنا من أهوال النظام، فإن هذا ليس إلا بداية طريق طويل. أصلي أن يكون للسوريين وحدهم الحق في تحديد مستقبلهم. الطريق مليء بالصعوبات، لكنه يجب أن يُشق بأيدي السوريين وحدهم.

كثيرًا ما أفكر في قصيدة نزار قباني “القصيدة الدمشقية”، والشوق الذي تنبض به كلماته. آمل أن نعود جميعًا يومًا لنرى الجمال الذي وصفه نزار.

“أنا وردتكم الدمشقية .. يا أهل الشام فمن وجدني منكم، فليضعني في أول مزهريه أنا شاعركم المجنون .. يا أهل الشام فمن رآني منكم، فليلتقط لي صورةً تذكارية قبل أن أشفى من جنوني الجميل .. أنا قمركم المشرد .. يا أهل الشام فمن رآني منكم، فليتبرع لي بفراشٍ .. وبطانية صوف .. لأنني لم أنم منذ قرون …”

سوريا حرة. لبنان حر. فلسطين حرة. السودان حر. الكونغو حر. الحرية للجميع.

 

الصورة الرئيسية: أنس الخربوطلي

شارك(ي) هذا المقال