هذه هي السعودية

السعودية كما لم ترونها من قبل

في الماضي كانت فكرة إقامة الحفلات والاستماع إلى الموسيقى الحية أو الذهاب إلى السينما في المملكة العربية السعودية ضرباً من الخيال– ولكن خلال السنوات القليلة الماضية وتحديداً في أواخر عام 2010 شهدت المملكة بدء ثورتها الثقافية والتي كانت أول ثمارها استضافة أحد أكبر المهرجانات الموسيقية في العالم العربي، ولم تتوقف البلاد عند هذا الحد، حيث تابعت مثابرتها لدعم الإبداع والانفتاح على كافة مجالات الثقافة والسياحة في محاولة لإثبات مكانتها كلاعب رئيسي في الساحة الإقليمية والعالمية.

وفي محاولة دؤوبة لكتابة فصل جديد من تاريخ المملكة الحافل بالأحداث المذهلة والتراث الغني ستعتمد البلاد على جيل الشباب دون سن 35 عاماً لكتابة فصلٍ جديدٍ في تاريخها، خاصةً وأنه يمثّل 60% من سكانها، وهي تعوّل عليهم لتحقيق رؤية البلاد في مجال التطور والتغيير، وذلك من خلال دمج الأجيال الشابة في عملية الحوار والتغيير. بعد أن كانت الحياة الاجتماعية قبل بضع سنوات مقتصرة على مجال الحياة الخاصة، وجدت ثقافة البلاد المغمورة أخيراً طريقها نحو النور، وقد حاز المشهد الإبداعي السعودي الحالي بعد رفع القيود عن البلاد استحسان الجميع خاصة جيل Z. وبهدف الاستفاضة في هذا الحديث تعاونا مع متجر YOOX الذي أطلق مؤخراً منصة تسوق تدعى  HI_GUYZ تتميّز بمفهوم جديد ينسجم مع هذا الجيل الذي يركز على عملية التغيير المستمر. تشتهر المجموعة الإيطالية بقدرتها على التكيف مع المجتمعات الديناميكية، والعمل على رفع مستوى الاستدامة والاهتمام بصناعة أزياء أكثر شموليةً وعدالة. وهذا هو بالضبط ما سنتحدث عنه اليوم.

وبهدف الاحتفاء بالعصر الجديد الذي تشهده المملكة، التقى فريق MILLE بأربعة من أكثر مبدعيها موهبةً خلال حملة تم تصويرها بعدسة الفنانة حياة أسامة. حيث تميّز عرض العلامة بتألق المبدعين زينب البلوشي ويزيد أحمد وCrystal Rhymes وماك، بإطلالات ساحرة من مجموعة YOOX، حيث تحدثنا مع المبدعين الشباب عن التغييرات الجديدة ومدى مساهمتها في فتح آفاق جديدة لهم، ورسم صورة مشهد الفن السعودي اليوم.

من جهتها شرحت زينب (وهي يوتيوبر كورية سعودية تتميز بأسلوبها المينيمالي الراقي الذي أكسبها عدداً كبيراً من المتابعين في المملكة) تقول “إنه أمر محفز للغاية. أعتقد أن الكثير من الناس يتفقون معي بأننا نشأنا في قلب ثقافة تدفعنا للتركيز على الدراسة وعلى كيفية التخطيط لمستقبلنا”. ثم أردفت قائلة “نمتلك الشجاعة الكافية لتجربة أشياء مختلفة واكتشاف مكامن الإبداع لدينا خارج بيئة العمل. وهي تتيح أمامنا المزيد من الفرص لأن نعبر عن أنفسنا ونكون أكثر إبداعاً”.

في ظل مشهد التحول الجذري الذي يشهده القطاع الإبداعي على الصعيد الميداني، فإننا نرى اليوم أولئك الذين اضطروا سابقاً إلى الهجرة إلى الخارج للتعبير عن ذاتهم وإبداعاتهم يعودون إلى وطنهم. وفي هذا الشأن قال “يزيد” وهو شاب سعودي اختار مهنة عرض الأزياء، بعد عودته من طوكيو “لقد دفعتني التغييرات التي تحدث في السعودية، [للعودة إلى] الرياض. من المثير للغاية أن تكون جزءاً من شيء جديد خاصة عندما يكون في مراحله الأولى”.

في الوقت الذي كان فيه العمل كعارض أزياء غير مسموح به للشباب في المملكة، كان من الضروري بالنسبة لي الانتقال إلى الخارج للبحث عن فرصة عمل مزدهر. إلا أنّ الأمور باتت مختلفة الآن، فقد سمحت التغييرات الجديدة للمواهب الشابة بالحصول على فرص عمل خارج إطار التقاليد السائدة. والعارض “ماك” شأنه شأن “يزيد”، وجد أن السنوات الأخيرة تتيح فرصاً لعارضي الأزياء للعمل في هذا المجال. وعلى هذا الصعيد، وجهت حياة أسامة (التي أصبحت الآن مصورة شهيرة في مجال تصوير حملات كبرى على الصعيد الإقليمي في المنطقة) عدستها إلى ماك لإبراز ما يجب أن تقدمه المملكة.

وغني عن القول بأنّ عصر وسائل التواصل الاجتماعي قد أسهم في جعل هذا الأمر واقعاً حقيقياً، ففي حين كان قبل خمس سنوات مجرد تكوين أصدقاء في المملكة العربية السعودية يشاركونك اهتماماتك مقتصراً على إنستاغرام والسناب شات، بات اليوم الاختلاط بين الجنسين أمراً شائعاً ومقبولاً، وهو الأمر الذي مهد الطريق أمام ازدهار المجتمع بأكمله.

 

وفي هذا الصدد يوضح يزيد ” بالرغم أننا كونا صداقات كثيرة من خلال إنستاغرام، إلا أننا لم نتمكن من اللقاء بهم على أرض الواقع. إلا أنّ الأمور قد اتخذت منعطفاً مختلفاً تماماً”.


كما كانت كريستال من بين الأشخاص الذين التقى بهم يزيد، وقد ظهرت إلى جانبه في الصور، وهي أيضاً استعانت بإنستاغرام للقاء أشخاص يشابهونها في التفكير، وعندما سُئلت عما إذا كانت قد حصلت في السابق على الدعم في مساعيها الإبداعية، سارعت بالإجابة بـ “لا.”

وهي تشعر الآن بأنها وجدت أخيراً الأشخاص الذين يشبهونها بطريقة أسهل من أي وقت مضى. لقد ترافق انعدام التفاعل الاجتماعي مع مشاعر القلق الاجتماعي لدى كريستال، وفي هذا الشأن تقول “لطالما شعرت بالقلق عند مقابلة الناس، حيال ما يجب أنّ أقوله أو أفعله.” ولكن، لقد أثر رفع المملكة للقيود في تهدئة مخاوفها، فقد كانت الأمور كلها مرتبطة ببعضها البعض.

وتجدر الإشارة إلى أنّ التغييرات كانت سريعة للغاية، حتى أنّها شكلت صدمة غير متوقعة لأشخاص مثل زينب.

من جهتها تشرح زينب “[لقد صدمت] خاصة عندما ذهبت إلى معرض بينالي. إنه لأمر مدهش للغاية، أن يكون لديك معارض فنّية تشبه تماماً تلك التي تنظم في كوريا منذ سنوات. من المذهل أن نرى حدثاً لم يمضِ على افتتاحه سوى وقت قصير بهذا المستوى من الجودة”.

بالرغم من أنّ التغييرات التي جرت في الآونة الأخيرة كانت جذرية، إلا أنها في كثير من الأحيان لم تحظَ بترحيب بعض السعوديين. إلى جانب السماح بحرية الاختلاط ومنح فرص العمل في مجال المهن الإبداعية المتنوعة، فإن انفتاح المملكة يعني بالتأكيد دفع المجتمعات الخارجية لإعادة بناء تصورات جديدة عن السعودية.

وعن هذا الموضوع يقول يزيد “إن إغفال بعض الحقائق المتعلقة بالمملكة قد يتسبب في انتشار الكثير من الأفكار الخاطئة حولها”. لذا وبدلاً من التركيز على رأي المجتمع الدولي، من الأفضل بالنسبة ليزيد وغيره من المبدعين التركيز على الإنتاج الثقافي. ثم أضاف “كل ما أطمح إليه هو رؤية الشباب السعودي يستفيض بعمله الإبداعي ويحظى بالمتعة والمرح. نحن لا نهتم ولا ينبغي لنا أن نهتم على الإطلاق بما يعتقده العالم نحونا طالما أننا نفعل ما نريد”.

شارك(ي) هذا المقال