تشهد الرياض تحوّلاً لم يسبق له مثيل. رغم حلول الشتاء، إلا أن العاصمة السعودية تعيش حالة من النشاط المتقد، مدفوعة برؤية طموحة تُحوّلها إلى مركز للثقافة والابتكار والبنية التحتية العالمية. ما كانت يومًا مدينة تُعرف بهدوء حداثتها، أصبحت الآن مدينة صاخبة تزخر بالفنون والترفيه. في صميم هذا التحول تكمن رؤية 2030، الخطة الرئيسية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط وجعل المملكة مركزًا عالميًا للسياحة والثقافة.
بلغت الإثارة ذروتها اليوم مع إطلاق المرحلة الأولى من مترو الرياض الذي تبلغ تكلفته 22.5 مليار دولار. حتى الآن، كان القطار الوحيد الذي خدم الرياض هو سكة حديد الحجاز، التي بناها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1909. مما يعني أن هذا هو أول مشروع كبير للسكك الحديدية في المدينة منذ أكثر من قرن.
مترو الرياض ليس مجرد وسيلة نقل؛ بل يمثل بداية حقبة جديدة من الترابط، الاستدامة، والحياة الحضرية الحديثة. أطلق ولي العهد المشروع بنفسه من خلال ركوب القطار، في خطوة رمزية تعكس أهمية هذا المشروع لمستقبل العاصمة.
يتألف النظام من ستة خطوط تمتد عبر 176 كيلومترًا، مما يجعله أطول نظام مترو بدون سائق في العالم. يعد المترو بتقديم تجربة سلسة للسياح، حيث يربطهم بأهم المعالم ويقلل وقت السفر. أما بالنسبة للسكان المحليين، فهو يقدم بديلاً مستدامًا عن قيادة السيارات في مدينة معروفة بزحام شوارعها السريعة. على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت الصور لمحطات المترو الحديثة والقطارات المستقبلية، مرفقة بتعليقات مليئة بالفخر والحماس.

بعيدًا عن المترو، تعيش الرياض حالة من الإبداع الثقافي والفني. موسم الرياض، المهرجان السنوي الرائد، حول العاصمة إلى مسرح للفعاليات الكبرى، مع حفلات موسيقية دولية، عروض مسرحية، ومعالم غامرة.
في المتحف الوطني، يستضيف معرض كريستيان ديور: مصمم الأحلام مجموعة من التصاميم الأيقونية التي شكلت تاريخ الموضة، وهو تحية لعالم الهوت كوتور. وفي الوقت نفسه، يضيء مهرجان نور الرياض المدينة بأضواء وتصاميم فريدة، مما يعكس الجانب المبتكر للعاصمة.
لكن ليس كل الحماس مرتبطًا بموسم الرياض. هناك فعاليات أخرى تستغل الطقس البارد لتضيف المزيد من التنوع والديناميكية للمدينة. في مستقبل الفنون بالدرعية، يستقطب معرض الفن يجب أن يكون اصطناعيًا: وجهات نظر حول الذكاء الاصطناعي الزوار، حيث يستكشف التقاطع بين التكنولوجيا والفن، ويثير نقاشات حول تعريف الإبداع في العصر الرقمي.
من جهة أخرى، يحتفي معرض الحرف اليدوية السعودية (بنان) بالحرفيين المحليين والحرف التقليدية، ما يذكرنا بأن الرياض، رغم تركيزها على المستقبل، تحمل احترامًا عميقًا لتراثها. وفي وقت لاحق من هذا الشهر، سيُقام معرض المخطوطات والمؤتمر لاستعراض الكنوز التاريخية، بينما يعد مهرجان الألعاب التقليدية، المقرر عقده في 19 ديسمبر، بتجربة تعليمية حافلة بالحنين، تستعرض الجانب المرح من التقاليد السعودية مع دعوة الجيل الجديد للتواصل مع جذوره.
كل هذا الزخم ليس مصادفة، بل جزء من رؤية 2030، الخطة الطموحة التي تقود تحول المملكة. تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، تسعى المبادرة إلى بناء هوية جديدة للسعودية. حتى وقت قريب، كانت السياحة تقتصر تقريبًا على الحجاج. الآن، مع تخفيف قيود التأشيرات وإطلاق خيارات التأشيرات الإلكترونية لأكثر من 50 دولة، أصبحت السعودية تستقبل ملايين الزوار سنويًا. في عام 2023 وحده، زار المملكة 16.6 مليون شخص لاستكشاف ما تقدمه من تجارب فريدة.
ما تقدمه السعودية مذهل بكل المقاييس. مشاريع مثل القدية، المدينة الترفيهية الضخمة؛ بوابة الدرعية، الموقع المدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو؛ ونيوم، المدينة الذكية المستقبلية على البحر الأحمر، تدفع حدود ما يمكن أن تكون عليه السياحة في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، تثبت الرياض أنها لا تحتاج إلى انتظار اكتمال هذه المشاريع العملاقة لتكون مركزًا للحيوية والنشاط. فالمدينة تعج بالفعل بالفعاليات والمعارض التي تمزج بين الطابع العالمي والمحلي، مما يجعلها واحدة من أكثر المدن إثارة على مستوى العالم.