بالرغم من أنّ تقديم “الرشوة” بشكل معلن وصريح قد أصبح أقل شيوعاً في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلا أن هناك شكلاً أكثر مكراً قد شق طريقه إلى المنطقة بأكملها تقريباً، ومن المؤكد أنّكم سمعتم بهذا المصطلح وهو: “الواسطة”.
وبعبارات بسيطة، هذا المصطلح يعني استخدام النفوذ والمحسوبية للوصول إلى الهدف. في اللغة الإنجليزية يمكن ترجمتها إلى “محاباة الأقارب”. وعلى هذا الصعيد تتساءل العلامة الجديدة فيما إذا كانت الواسطة أمراً سيئاً؟
بالرغم من أنّ علامةWasta قد تأسست في باريس إلا أنّها متأثرة بشكل كبير بجذورها الراسخة في تاريخ الشرق الأوسط الغني، وهو الأمر الذي دفع هذه العلامة الواعية والجريئة لإضفاء معنى جديداً للمحسوبية من خلال الاحتفاء بالناس الذين عادة ما يميلون إلى الاستعانة بالواسطة في حياتهم اليومية.
أسس العلامة الثنائي اللبناني المغربي أوسكار وبدر الدين، وقد أطلقت Wasta مجموعتها الأولى بعنوان “Chapter I” في أبريل 2021 والتي تضمنت مجموعة جديدة من التيشيرتات القطنية وكنزات هودي والكنزات الرياضية وكلها مستوحاة من جذورها وتراثها وعلاقتها مع المنطقة.
بالرغم من أنّ معظم الناس قد يستخدمون قلماً وورقة لسرد الحكايات العديدة التي يحملها العالم العربي في داخله، إلا أنّ المصممين المقيمين في باريس قد استخدما الموضة لمنح المنطقة صوتاً خاصاً من خلال عرض بعض الدلائل الضمنية العميقة، وعلى هذا الصعيد نجد أنّ المجموعة تتميّز بالأنماط والتصاميم المختلفة التي تذكرنا بالأحداث التاريخية والبارزة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن الجدير بالذكر أن المصممان يعملان في أحد المتاجر نهاراً ويعملان على علامتهما ليلاً، وبرعا في دمج استكشافهما العميق للماضي والحاضر المعقد للمنطقة بأسلوب متقن ومميّز من خلال الأقمشة ومجموعة التصاميم الخاصة بهما.
بالرغم من أن تواجدهما على الإنترنت لا يزال خجولاً إلى حد ما، إلا أننا نعتقد بأّنها مجرد مسألة وقت قبل أن يستحوذ الثنائي على مواقع الإنترنت. من خلال اندماج الثنائي بشكل تدريجي في مشهد الموضة، جلسنا مع مؤسسي العلامة للتحدث عن التأثيرات والتراث والدلالات الضمنية.
هل يمكنكما تقديم علامتكما لأولئك الذين لم يسمعوا بها بعد؟
Wasta هي علامة أزياء الشارع المستوحاة من تقاليدنا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، سعينا لابتكارها لأننا لم نجد علامة تمثلنا كأفراد شباب من المنطقة، لقد نشأنا في فرنسا وتأثرنا بثقافة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وقعنا في حب ثقافة أزياء الشارع وكنا نتطلع لملاءمتها معنا أكثر وجعلها “تشبهنا”.
ماذا تعني واسطة؟ ماذا تعني بالنسبة لكما؟
تشير كلمة واسطة في الشرق الأوسط إلى المحسوبية: وهي عندما يستخدم شخص ما منصبه و / أو نفوذه لصالح شخص يعرفه بغض النظر عن كفاءته، وهذا ينطوي على دلالة سلبية لأن الأشخاص الذين ليس لديهم واسطة هنا أو هناك يواجهون المزيد من الصعوبات في الحصول على كل ما يحتاجون إليه وقد يكون ذلك غير عادل في بعض المواقف. عادة ما يعني الحصول على شيء من خلال المحسوبية أنّك حصلت على شيء لا تستحقه بجدارة. لذا فقد اخترنا أن نأخذ شيئاً سلبياً (نستنكره) ونحوله إلى شيء إيجابي، لأننا نعتقد أن هذا هو ما يجب أن نحاول فعله دائماً في الحياة بغض النظر عن الوضع. عندما قررنا إطلاق علامتنا، كنا مثل من يقول “حسناً، ليس لدينا واسطة، لذلك دعونا نقوم بالأشياء بأنفسنا. لنكن في المقام الأول فريقاً قوياً، ومن ثم يمكنك استخدم طاقة الأصدقاء والعائلة” الأمر كله يتعلق بالطموح والوصول إلى مكان يمكنك فيه أن تكون مفيداً لدائرتك. الواسطة هي قصيدة للعائلة والمجتمع والدعم.
كما أنّ هناك جانب آخر مثير للاهتمام فيما يتعلق بكلمة الواسطة، حيث يمكننا ترجمتها في اللغة العربية على أنها “وسيط”. وكلمة “وسط” التي لها نفس الجذر تعني المكان “الوسط”، وعلى هذا الصعيد نحن نرى أنفسنا أيضاً كوسطاء نقف في الوسط بين الشرق والغرب، مما يجعل “الواسطة” الجسر بين جذورنا والمكان الذي نشأنا فيه.
تتسم العلامة بجمالية وهالة أنيقة ونظيفة للغاية، كما أنها مفعمة بالدلالات الضمنية (والصريحة) عن النزاعات والحروب والتوترات التي حدثت في الشرق الأوسط. لماذا هذا التركيز والاهتمام على هذه الدلالات؟
كان التأكيد على هذه النزاعات أمراً مهماً لأننا أردنا بالفعل تقديم علامة جريئة لا تخشى اتخاذ مواقف، علامة تنسجم مع قيمنا وما نؤمن به كأفراد، وهذا ما يجعلنا نشعر بأن لدينا أساساً قوياً. إننا ندرك تماماً قيمنا ومبادئنا، وهذا يساعدنا في عملية صنع القرار، وتقديم منتج صادق وهادف. بالإضافة إلى ذلك، باعتبارنا عرب نعيش في المهجر، نشعر أن النزاعات التي حدثت في الشرق الأوسط لطالما كانت حاضرة بشكل مباشر أو غير مباشر في حياتنا أثناء نشأتنا (المعروف أيضاً باسم رؤية بابا يشاهد قناة الجزيرة في غرفة المعيشة). بالرغم من أننا عشنا هذه التجربة من الخارج، إلا أنها كانت دائماً مصدر قلق وقد أثرت علينا أيضاً بطرق مختلفة، مما جعلنا بطبيعة الحال أكثر وعياً حيال الوضع الذي يحدث في المنطقة. على سبيل المثال، نتذكر دروس التاريخ والإحباط الذي ترافق معها، لأننا كنا ندرك أنه عندما يتعلق الأمر بهذه النزاعات، لم يتم سرد القصة بأكملها. ونتيجة لسوء الفهم هذا، أصبحت هذه الصراعات جزء من الأسباب التي شكلت العديد من الصور النمطية السائدة ضد العرب في الغرب طوال العقود الماضية.
لكن الحمد لله، هذه ليست سوى قطعة واحدة من اللغز، لقد جلب لنا تراثنا أشياء جميلة بشكل أساسي لتقديمها وسنحاول بذل قصارى جهدنا للقيام بذلك عند تصميم المجموعات التالية.
بما أنكما نِشأتما في باريس بينما أنتما من خلفية عربية، كيف لعبت الهوية دوراً في تصميم المجموعات الخاصة بالعلامات؟
تأتي الهوية في صميم العلامة، ولطالما كانت أصولنا وجذورنا مهمة للغاية بالنسبة لنا، فهي جزء كبير من هويتنا. لذلك، عندما بدأنا بتأسيس العلامة، لعبت التصميمات وكذلك هوياتنا دورها بشكل طبيعي. في الواقع إنّ هذه التصاميم التي تبادرت إلى أذهاننا كانت متجذرة في أعماق قلوبنا وحياتنا وذكرياتنا.
الأمر المشترك بيننا هو أننا ولدنا ونشأنا في فرنسا من خلفية عربية جعلتنا نتمكن من التواصل على عدة مستويات مختلفة. (بالمناسبة، نحن عادة لا نستخدم كلمة عربي لوصف أنفسنا، لأننا نشعر بأنها تقوض تنوع السكان الواضح في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إننا نستخدمها هنا لتوضيح الفكرة فقط.) بالرغم من أننا نتشارك في هذا الأمر، إلا أنّ تجارب حياتنا مختلفة، وذلك يعود لحقيقة أنّ الهوية شيء معقد، ويمكن أن تكون متعددة الأبعاد. على سبيل المثال، أحدنا مسلم والآخر مسيحي. أن تكون عربياً في فرنسا لا يعني نفس الشيء عندما تكون مسيحياً أو مسلماً.، ولا يجب أن تكون تجارب حياتنا متطابقة تماماً، لكنها تستحق السرد لأننا نقدر تنوع هوياتنا ونحتفظ بها في قلوبنا لتقديمها من خلال التصميمات التي نبتكرها والقصص التي نرويها.
بين الاستكشاف والتوفيق بين باريس والعالم العربي، هل هذا هو ما تحاولان قوله من خلال عبارة “lel maximum always”؟
صحيح أن المزج بين اللغتين العربية والإنجليزية في “Lel max always” يمثل بالضبط استكشاف كلا الجانبين، إلا أنّ الأمر قد بدأ كوسيلة للتحايل حيث اعتاد أحد أصدقائنا أن يقول إنه سيحتفل بـ “ليل أقصى”، وهي طريقة مضحكة لوصف الرغبة بالاحتفال حتى أقصى حد، لذلك بدأنا في استخدامها على سبيل المزاح. بعد ذلك، عندما كنا نناقش موضوع شراكتنا قبل بدء العلامة، لم نكن نريد أن يعيق العمل طريق صداقتنا، لذا كان علينا أن نتوصل إلى استراتيجيات عندما لا نتفق على أمر ما، وقد توصلنا إلى هذه الاستراتيجيات وقلنا: “مهما كانت الطريقة التي نقوم بها أو طريقتك أو طريقتي، بعد أن نختار سنقوم بذلك إلى أقصى حد.” وأجاب الآخر “ليل الأقصى دائماً حبيبي”. وهكذا ولدت عبارة “ليل الأقصى دائماً” (يضحك كلاهما). إنها تمثل حالتنا الذهنية، وهي القيام بكل شيء بطريقة مكثفة. نريد تقديم المنتجات والخدمات لزبائننا بجودة عالية. في الواقع لقد كانت طريقة مضحكة ومرحة للمزج بين التأثيرات العربية والغربية من خلال جملة بسيطة.
ذكرتما في إحدى مشاركاتكما أنكما تأثرتما بشدة بأغنية Tonton du Bled لمغني الراب Rim’K, 113 “عبد الكريم براهمي” كما أنكما تكرمان فيروز في إحدى تصاميمكم. هل تريان نفسيكما كما أصبح معظم العرب: مزيج من هنا وهناك يسعى لإحداث توازن بين الشرق والغرب؟
بالتأكيد، أنا متأكد من أنك إذا قمت بإجراء بحث على تطبيق سبوتيفاي الخاص بالشباب في المهجر من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكنك العثور بسهولة على بعض أغاني دريك الممزوجة ببعض من أغاني وردة أو ترافيس سكوت أو نانسي عجرم. من الطبيعي أن يكون لديك توازن بين كل هذه التأثيرات. كما أن أغنية “Tonton du Bled” مثيرة للاهتمام للغاية لأنها تروي قصة أشخاص من المهجر يعودون إلى بلدانهم الأصلية خلال الإجازات، وهي تجسّد حقبة وظاهرة حقيقية في المجتمع الفرنسي، وعلى هذا الصعيد يحمل تصميم تي شيرت Wasta Airways هذه الفكرة في جوهره. أردنا بالفعل إظهار هذا الشعور بالعودة لزيارة أحبائك والقدرة على إعادة التواصل مع جذورك من خلال هذه التجربة بأكملها. بالحديث عن الجذور فقد كانت الجذور سبب اكتشافنا لفيروز، لقد أردنا أن نشيد بهذه المغنية والمرأة الرائعة. لكن الأهم من ذلك أنها تمثل توحيد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها. من الرائع أن نرى كيف كانت رسالتها قوية لدرجة أنها تمكنت من الوصول إلى الأجيال وتخطت كل الحدود. لقد كان آباؤنا يستمعون لفيروز في لبنان والمغرب، والآن نستمع لفيروز في فرنسا. لذا كان من الطبيعي أن نصمم قميص “L’Amour Eternel” تكريما لها.