لماذا تأمين مساحة آمنة في الحفلات لا يقل أهمية عن وجود تشكيلة جيدة

الأجواء: باءت بالفشل

يخبروننا باستمرار ومنذ سن مبكرة بأن ليس كل ما يلمع هو ذهب، ولربما كان علي تعلم ذلك بالطريقة الصعبة.

إنه مساء يوم خميس عادي ولأول مرة لا شيء مهم يحدث في القاهرة باستثناء هذه الحفلة التي نظمتها جماعة مشهورة إلى حد ما ومعروفة في جميع أنحاء المدينة والتي كانت الآراء حولها متضاربة. تمت دعوة صديق مقرب لي لتغطية الحدث وتصوير بعض اللقطات الرائعة في الليل فقررت بطبيعة الحال الانضمام.

توجهنا بدايةً إلى قاعة الحفلة الموسيقية لنلاحظ أن المكان غير مكتظ بالناس ولن يصل لأقصى سعته رغم أن الوقت قد أصبح متأخراً إلى حد ما، هذه هي اللحظة التي بدأت أتذكر فيها ما قاله الناس مسبقاً عن تلك الليلة وفكرت أيضاً في أنهم ربما كانوا على حق عندما نصحوني أن أبقى في المنزل.

كانت مكبرات الصوت تعمل بأعلى صوت وبالكاد كنا نسمع بعضنا البعض، وكانت عيني المتعبة هي وسيلتي الوحيدة التي يمكنني الاعتماد عليها للتواصل وتحديد الأشياء بين هذا الحشد. انتهى بي الأمر بتدخلي وخوضي بنقاش محتدم وعنيف مع مجموعة أشخاص أكبر سناً من أن يكونوا رواد مثل هكذا حفلات وذلك بسبب انتباهي لفتاتين شعرتا بعدم الارتياح بسببهم، ليتدخل المنظمون ويحاولون تهدئة الأمور.

الليلة مازالت مستمرة وأنا أرقص وأحاول بطريقة ما الاستمتاع بليلتي في ضوء ما حدث للتو. كل شيء يسير على ما يرام نسبياً حتى شعرت بأن يداً تسحبني من بين الحشود، استدرت لأرى مجموعة أكبر بكثير الآن تصرخ وتتوعد بأنني لن أتمكن من مضغ تفاحة مرة أخرى أبداً.

لألخص لكم قصتي الطويلة يمكنني القول أن الخوف كان أكبر من الأذى في النهاية. كان يُطلب مني مغادرة المبنى على الرغم من أنني لم أفعل شيئاً خاطئاً حتى أنني في الواقع وفي نظري على الأقل شعرت أنني فعلت الشيء الصحيح.

تعتبر مهمة الحفاظ على السلامة في السهرات والحياة الليلية مصدر قلق حقيقي لمشهد الـUnderground. تُكتسب الثقة بصعوبة وتُفقد بسهولة جداً عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع، كما أنه غريب جداً أن يكون ضمان حصولك على مساحة آمنة للاحتفال لا يزال يسبب مشاكل. من المحتمل أن تكون تجربتي واحدة من بين العديد رغم إدراك المنظمين جيداً أن أغلب مشاكل هذا المشهد دائماً ما تكون بسبب جرعة زائدة أو شكوى لها علاقة بالصوت أو شجار أو بشكل أكثر تحديداً زيارة للشرطة بهدف الإغلاق التام.

يقول “ياسين” وهو دي جي ومنسق حفلات معروف في القاهرة: “المساحة الآمنة هي خلق بيئة آمنة تسمح للناس بالتعبير عن ذاتهم بطريقة يستمتعون بها في قاعة الرقص فضلاً عن ضرورة كونها آمنة من وجهة نظر الصحة والسلامة أيضاً، وهذا يعني عدم وجود أسلاك كهربائية مكشوفة وعدم وجود مناطق قد يتعثر الناس عند المرور بجانبها ولا حواف حادة أو أسقف منخفضة، كما يجب أن يكون هناك وسائل تحذير مناسبة لمنع تعرض الأشخاص للأذى. فكرة أخرى يجب التنويه عليها وهي سهولة الحصول على الماء فهذا شيء أساسي وبديهي وإن لم يكن ذلك مجانياً فعليه أن يكون الأرخص ضمن قائمة الطلبات على الأقل، ولكن مع الأسف لا تسير الأمور بهذا الشكل، فحسب حفلة الـ Undergroundالتي لديك قد يغير الماء حياة الناس”.

ويضيف: “لا ينبغي أن يحاول الناس تحقيق ربح بنسبة 100٪ أو 200٪ من المياه، إنه ليس أمراً فاحشاً فقط ولكنه أيضاً غير مسؤول تماماً لأنك في نهاية المطاف ستضع الحشد في موقف محرج حيث سيتعين عليهم التأكد من أن لديهم ما يكفي من المال للحصول على ضرورة أساسية، ستجعلهم مضطرين للقيام بهذه الحسابات الذهنية حتى يكونوا آمنين وهذا في الحقيقة أكثر شيء غير آمن أو مستدام، كما أن الطريقة التي تسعر بها الأشياء مهمة كذلك، فالأمان يعني أيضاً عدم الإساءة بتحصيل الأموال من الناس لمجرد أنك تستطيع ذلك. نعم، عليك أن تعتني بالفنانين الذين تدعوهم ولكن عليك الاهتمام أيضاً بالجمهور الذي سيغادر في النهاية إذا لم تعجبه الأمور”.

وقد نوه على أمر هام فسواء كنتم تريدون الاعتراف بذلك أم لا فإن جميع أنواع المواد تتواجد في الحفلات بغض النظر عن كمية الجهود المبذولة لمنعها، وعندما يتم أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار ستصبح الحقيقة واضحة: الأجسام ترقص وتتحرك وتتعرق وعند تناول أي نوع من المنبهات يجد الجسم نفسه بحاجة ماسة إلى الترطيب، وإذا لم يتم تقديمه فستكون النتيجة النهائية قاتلة.

وفقاً لتقرير حديث عن انتشار تعاطي المخدرات بين المراهقين المصريين فقد وُجد أنه بعد استبعاد النيكوتين كانت البنزوديازيبينات هي أكثر المواد شيوعاً بنسبة (5.1٪) تليها الكحول بنسبة (3.3٪) والمذيبات العضوية بنسبة (3.1٪)، إن الأرقام مخيفة في الحقيقة وتدعم ادعاء ياسين مما يفتح باب النقاش لمحادثات أخرى.

يقول “ياسين لـMille: “عندما تتعامل مع بلد مكبوت جنسياً مثل مصر، فعليك أن تكون مدركاً لحركات الذكور تجاه الإناث والتفاعلات بين الجنسين على نطاق أوسع في الحشد، حيث يتعين على النساء اللاتي اخترن دعم فناني الـUnderground في حفلاتهم أن يضعوا في حسبانهم مستوى معيناً من المخاطر بدلاً من أن يشعرن أن البيئة التي يضعن أنفسهن فيها آمنة. بحكم أننا نعيش في بلد ليس لديه نفس المستوى من ثقافة الشرب مثل الآخرين على سبيل المثال يجب على المروجين أن يضعوا هذا الأمر في حسبانهم أكثر رغم محاولتهم لتحديد وانتقاء الأشخاص قبل الدخول.”

قد يعتقد معظمنا أن عملية اختيار وانتقاء الأشخاص عند الباب هي الطريقة المثلى لضمان سير الأمور على أفضل حال، لكن خذوا بعين الاعتبار أنه كلما قلت متاعبكم في الخطوات الأولى للمكان كلما بدوتم بصورة أفضل وسيطرتم على الوضع أكثر، ومع ذلك لا يمكننا تجاهل أهمية الحاجز الشخصي الأول الضروري لمنع سلوكيات خطيرة من الدخول إلى الحفلة.

يقول “علي أشرف” هو ممثل بارز آخر في مشهد الـUnderground في القاهرة: “إن اختيار الأشخاص الذين سيسمح لهم بالدخول هو أول شيء ستمرون به، إنها خطوة حاسمة ومصيرية للغاية لأنه قد يتم إدخال أشخاص يبدون بأفضل حال ليتبين فيما بعد أنهم الأسوأ. لا يجب أن يتعلق الأمر دائماً بالمظهر ولكن بالطاقة التي تجلبها معك، يجب أن يأتي الضيوف بقلوب مفتوحة وآذان مفتوحة والأهم من ذلك بعقول متفتحة ليستطيعوا الاستمتاع بحفلاتنا. يُطلب من الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد للضيوف الآخرين مغادرة المبنى ويتم إدراج أسمائهم في القائمة السوداء لمنعهم من الدخول في المرات القادمة، وبرأيي يجب أن يكون هذا هو المعيار في كل مكان “

إن تأمين مساحة آمنة ليس أمراً ضرورياً فحسب بل بصراحة تامة هو أمر بالغ الأهمية وأساسي ليس فقط من أجل المشهد بل أيضاً من أجل لأشخاص الذين يجدون راحة وحرية في هذا المكان. سبق وتعرفت في حفلة سابقة يمكنني القول أنها كانت أفضل بكثير من هذه المذكورة أعلاه على Henny وهي امرأة متحولة جنسياً تعيش في القاهرة، لقد كانت لطيفة بما يكفي لمشاركة بعض رؤيتها حول ما تشعر به عند حضور مثل هذه الحفلات، حيث كانت مصرة على أنه رغم وجود العديد من المشاكل حتى الآن إلا أن مثل هذه الحفلات تنجح بكونها متنفساً حقيقياً يبعدنا عن يوميات الحياة الخانقة.

أخبرتني Henny عبر الهاتف: “يُنظر إلينا على أننا غير قانونيين في الشوارع وغير موجودين أساساً، لذا فإن الذهاب إلى أماكن حيث يمكن أن نكون أنفسنا ونلتقي بأشخاص مثلنا يعد ملاذاً آمناً بعيداً عن” العالم الحقيقي “، كما تنمي فينا مثل هذه التجمعات الشعور بالإنسان مرة أخرى خاصة بالنسبة للأشخاص المثليين المتواجدين في جنوب الكرة الأرضية، فبالنسبة لي على سبيل المثال قبل أن أقوم بعملية التحول وقبل أن يكون لدي الثقة للخروج إلى الشارع كما أريد كنت أذهب إلى الحفلات لأكون من أنا وأظهر أصالتي. كما أنه يساعد حقاً على حل المشكلات المستقبلية المرتبطة بالأشخاص المتحولين مثل اضطراب تشوه الجسم أو اضطراب الهوية الجندرية وأجد هذا الأمر في غاية الروعة.

مع وضع ما سبق بعين الاعتبار، فإن اختزال وتقليل الحفلات التي يذهب الناس إليها للاستمتاع ببساطة لن يكون عادلاً، فهي أقرب لمحفزات فعلية للتغيير وأماكن يشعر فيها الناس بحرية أكبر. يجب أن نتعامل معها بعناية أكثر لتجنب الآثار غير المباشرة على المشهد بأكمله وكذلك للابتعاد عن أي شيء قد يضر حياة الأشخاص الحقيقيين، وفي النهاية يجب العمل على تنمية فكر جميع المعنيين.

شارك(ي) هذا المقال

مقالات رائجة