حان الوقت للتحرر من استعمار “مقاييس الجمال”

رسالة في حبّ النفس

جميعنا نرغب التصديق بأن فكرة الاستعمار قد ولّت منذ زمنٍ طويل. ولكن كيف نفسر حقيقة أن مقاييس الجمال الأكثر بحثاً على غوغل في المنطقة هي “كيف أبيّض بشرتي؟” أو “كيف أصغّر أنفي؟”…

كيف نفسر ظاهرة “الأنف الفارسي” وكيف أصبحت طقساً أساسياً في حياة الكثيرين؟ وكيف نفسّر حقيقة أن جميع المشاهير الذين شاهدناهم على شاشاتنا ونحن صغار كانوا من كل الجنسيات إلا العربية؟

منذ مدةٍ قصيرة، رأيت أحد أقاربي في تونس يأخذ ابنته ذات الـ4 أعوام إلى صالون التجميل لتلقّي علاج الكيراتين لشعرها والذي قالت بعده “الآن أصبحت جميلة” وكأن شعرها المجعّد الطبيعي لم يمنحها ذلك الشعور.

ورغم أنني انتقدت والدها على ميوله “الأوروبية” إلا أن خصلات شعري الملساء بفعل المواد الكيماوية فضحت نفاقي.

لقد عملت جاهدةً لمحاربة شعور “الاستعمار” في نفسي، وعلى الاعتراف أن الأمر كان أسهل بالنسبة لي نظراً لأنفي الصغير وقامتي النحيلة وشفتيّ اللتين ليستا صغيرتين ولا كبيرتين. لطالما كان حاجباي رفيعان، ورغم أنني أود عزو سماكتهما الآن إلى رفض معايير الجمال الأوروبية، إلا أنهما سميكان بسبب صيحة الحواجب السميكة التي تتصدرها نجمة (أوروبية جداً) وهي العارضة الإنكليزية كارا ديليفين.

لا أدري ما الذي جعلنا غير راضين عن أي ملامح بربرية أو عربية أو شرق أوسطية أو غير أوروبية. بلا شك، أن التاريخ الاستعماري الذي سيطر على المنطقة هو أساس المشكلة. ولكن الإعلام العربي لم يساعد في حلها، بل سأذهب لأبعد من ذلك بأن أقول أنه المسؤول المباشر عن تكريسها.

لا يحظى الجمال العربي بحضورٍ كبير في صناعة الجمال، ومردّ ذلك إلى ندرة اختيار عارضات عربيات في عروض الأزياء وحملات الجمال. قد يكون الأمر أفضل اليوم، ولكن معظمنا كبر على مشاهدة المجلات والإعلانات التي تعرض صور الجمال الغربي فقط، وهذا ما ساهم في تكوين أفكارنا عن الجمال. ولكن أبرز المدانين في هذه المشكلة هي المجلات. فإلى جانب عدم اختيارها لوجوهٍ عربية، إنها تساهم في تكريس كل الأفكار المناهضة لفكرة “حب النفس”. فهناك العديد من المجلات التي تروج لمقالات مثل “علاجات تبييض البشرة”، وأسوأ من ذلك، مقالات تندّد بالملامح العربية بشكلٍ مباشر، لأنه ليس من شيءٍ أجمل من “أنف إيفانكا ترامب الصغير” (نعم، لقد كان هذا مقالاً حقيقياً)!

والآن، دعونا نقارن تلك العناوين بعناوين المجلات الغربية، التي أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر شموليةً لتعكس التنوع العرقي والثقافي الكبير للمجتمعات التي تمثّلها. فلنأخذ مجلة Teen Vogue على سبيل المثال (رغم أنها لم تصل إلى قمة الشمولية بعد) ولكنها مع غيرها من المجلات بدأت رفض مقاييس الجمال الأوروبي الحصرية ولعب دورٍ المناصر للعدالة الاجتماعية من خلال التنديد بكل الأشخاص والعلامات التجارية التي ترفض حذو حذوها.

ولكن، في منطقتنا، ورغم أن الكثيرين باتوا يرفضون تلك الأفكار ويحاولون بجدية تحرير عقولهم من “الاستعمار” وصور الجمال النمطية، إلا أن الإعلام الذي من المفترض أن يمثّلنا لا يزال يراوح في مكانه دون القيام بأي تغييرات. بل أنه يستفيد دون أي خجلٍ من ترددنا في الاحتفاء بملامحنا العربية الفريدة، التي قد لا تكون ممثّلةً بقوة في ذلك الإعلام، ولكن أصحابها لهم دور كبير في نجاحه أو فشله.

ما يتوجّب على الإعلام فعله هو فضح “التقليد الاستعماري” الصارخ الذي نمارسه، وهو مصطلح برز بعد الاستعمار، يعبر عن الطريقة التي تستمر بها الشعوب المستعمرة بتقليد المستعمر حتى بعد دحره بمدةٍ طويلة. ولكن للأسف، تستمر المجلات بالاقتيات على ثقتنا الضعيفة بأنفسنا ومنح عمليات التجميل كل الوقود الذي تحتاجه لتكون في صدارة متطلبات الجمال. ومن باب التوضيح فقط، أنا لا أقصد انتقاد كل من يرغب في إجراء تعديلات جراحية، ولكن عندما تتم بهدف الوصول إلى الجمال عبر التشبه بالملامح الغربية، فهناك مشكلة كبيرة وواضحة.

ولماذا نرغب في أن نبدو كالأوروبيين على أية حال؟ ما علينا فعله هو رفض معايير الجمال النمطية المقدسة التي لطالما سيطرت على عقولنا والاحتفاء باختلاف ملامحنا وألوان بشرتنا وطبيعة شعرنا وشكل أنوفنا مهما كانت كبيرة أو صغيرة. لن يكون الأمر سهلاً، ولكن كل جهدٍ يُبذَل في سبيل التحرر من أفكار الجمال التي استعمرت عقولنا لمدةٍ طويلة هو خطوة في الاتجاه الصحيح نحو حبّ النفس.

 وكما قالت نيّرة وحيد NayyirahWaheed: “ليست نهاية العالم أن يرفضني شخصٌ ما، لكنها ستكون نهاية العالم بالفعل عندما أرفض نفسي”.

رسوم الفنّانة Moshtari Hilal 

شارك(ي) هذا المقال