على الرغم من أنّ شهر مايو الماضي قد شهد إلغاء أضخم حفل في عالم الموضة “ميت غالا”، إلا أنّ معهد أزياء متحف متروبوليتان للفنون عاد رسمياً لمزاولة نشاطه. فقد افتتحت المؤسسة للتو معرضها لعام 2020 الذي يتتبع تاريخ نصف قرن من الموضة.
أقيم هذا المعرض احتفالاً بالذكرى السنوية الـ 150 لتأسيس معهد MET، وهو معرض يتتبع تاريخ الموضة الزمني من عام 1870 إلى الوقت الحاضر، في محاولة لاستكشاف العلاقة الوطيدة بين الموضة والزمن. يتكون تصميم المعرض من خطين زمنيين، أحدهما مرتب بتسلسل زمني والآخر دوري، ويجسّد كل خط زمني منهما بساعاتٍ ضخمة نظمت وفق مبدأ “60 دقيقة من الموضة”. كل “دقيقة” تعرض قطعتين من الملابس (يفصل بينها في بعض الأحيان قرن من الزمن) تتشاطران رابطاً بينهما إما في القصّة أو الخامة أو التقنية.
يقترن جاكيت “بار” الأيقوني من كريستيان ديور من عام 1947 مع جاكيت من الجلد الأسود من جونيا واتانابي من عام 2011، يمتاز هذا الجاكيت بقصّة ضيقة عند الخصر وأطراف تعزّز شكل الأوراك مع أكتاف ليّنة بأسلوب يحاكي جاكيت “بار”. كما تم عرض فستان أسود من البلاستيك الشفاف من Iris Van Herpen من عام 2012 يمتاز بقصّة على شكل هلال على جانبي الوركين مستوحى من فستان من الساتان الحريري العاجي من تصميم تشارلز جيمس من عام 1951،.
جاكيت من الجلد الأسود من جونيا واتانابي من عام 2011 / جاكيت “بار” من كريستيان ديور من عام 1947
فستان من الساتان الحريري العاجي من تصميم تشارلز جيمس من عام 1951 / فستان أسود من البلاستيك الشفاف من Iris Van Herpen من عام 2012
وكما يوحي المعرض، فإنّ هذه القطع بمثابة دليل على التعايش المشترك بين الماضي والحاضر من خلال التأثير والإلهام. وكأن الموضة تؤثر بنفسها باستمرار من أجل أن تخلق مستقبلها.
مع تصاعد النقاشات حول المصممين الذين يستمدون الإلهام من بعضهم البعض، خاصة تلك التي جرت على حساب دايت برادا الخاص بنقد الموضة على الإنستاغرام، ليس من المستبعد أن نكتشف بأن الموضة خلطت بين مفهومي الحداثة والإبداع. ولكن إن كان الأمر هكذا بالفعل، فما الذي يمكن للتغيرات في مجال هذه الصناعة تقديمه لاستعادة فكرة الإبداع الحقيقية؟ قد يكون تقليص الجدول الزمني المزدحم بشكل جنوني والمكون من 6 مجموعات في كل عام بداية جيدة. كما أنّ إنتاج كميات أقل بجودة أكبر قد يكون خياراً جيداً أيضاً.
وهذا يثير قضية الموضة التي تشغل الجميع في الوقت الراهن: وهي صناعة الموضة السريعة وتأثيرها على البيئة والقوى العاملة داخل الصناعة. تعد الجداول الزمنية التي نراها في هذا المعرض بمثابة تعبير مجازي عن العلاقة الطردية بين نظام الموضة الحالي ونموذج الأعمال التجارية التي تعتمد على مبدأ إعادة التدوير التي يتطلع المعرض لتحقيقها في المستقبل.
من المحتمل أن يكون الماضي أكثر من مجرد مصدر إلهام لتصميمات أو تقنيات أو طبعات، وقد يصبح حرفياً المادة الخام التي نستخدمها في التصميمات المستقبلية؛ كما هو الحال بالنسبة للإطلالة النهائية في المعرض، حيث تم عرض فستان من مجموعة هوت كوتور Viktor & Rolf لربيع وصيف 2020 مصنوع من قماش فائض عن مجموعات قديمة تم جمعها مع بعض ليكون بمثابة إشارة إلى حركة إعادة التدوير.
هناك درس آخر مهم بنفس القدر ضمن العرض: خلال احتفاءه بالحرفية والمهارات والمنهجيات التي تحدد الموضة، نكتشف بأنّ القيمة تكمن في القطع عالية الجودة والتي صُممت لتصمد على مر الزمن. وإذا كنا نتطلع لابتكار قطع أزلية تدوم للمستقبل، فقد تكون أزياء الكوتور والقطع المفصلة حسب الطلب من أهم العناصر في هذه العملية.
ربما تكون هناك حاجة إلى إصلاح كبير في صناعة الموضة. ولكن هل بإمكانها ابتكار نظام عمل جديد يحافظ على المبادئ السابقة ويجذب الجيل الجديد المتحمس للبيئة وأسلوب الحياة العملي والسريع؟ وهل ستنجح صناعة الأزياء المصممة حسب الطلب في احتلال الصدارة في هذا المجال؟