إنّ فهمكم لثقافة أيّ دولة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى فهمكم لشعبها. هذه هي العقلية التي استحوذت على تفكير المخرج السينمائي الأردني المولود في السعودية مهند أبو رزق البالغ من العمر 27 عاماً، والتي كانت هاجساً قوياً دفعه لتوثيق قصص الناس من حوله.
بالنسبة للمخرج، أن تكون فناناً يعني أن تلتزم برواية الحكايات المخفية للبشر ودوافعهم وأحلامهم وتحدياتهم. وفي هذا السياق يقول المخرج “أتطلّع دائماً إلى توثيق واقعنا بشكله الحقيقي؛ بلحظاته الأكثر جمالاً وسوءاً”
ومن الجدير بالذكر أنّ شغف رزق بالسينما ليس بالأمر الجديد، فقد حصل على كاميرا لأول مرة عندما كان صغيراً في 13 من عمره، وقد تخرج فيما بعد من معهد SAE في عمّان بدرجة البكالوريوس في صناعة الأفلام الرقمية. وفي عام 2015 أطلق أول فيلم قصير له “الطريق إلى اللا مكان”، الذي يروي قصة شاب عربي يواجه دائماً أشخاصاً يقولون له بأنّ كل ما يفعله خطأ.
وقد لاقى هذا الفيلم صدىً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وحاز على مليون مشاهدة على فيسبوك، الأمر الذي عزز في نفس رزق الشعور بالثقة والإيمان بعمله، وكان بمثابة دافع كبير له لابتكار المزيد من المحتوى الذي يتناول القضايا الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، يقول المخرج “لدي إيمان قوي بأن كل شخص منا لديه قصة تستحق أن تُروى. أحب هذا الشعور السحري الذي يتنابنا عند مشاهدة فيلم يحكي تلك القصة ويعبر عن لحظة معيّنة في حياة أيّ شخص. إنّ ما يجعل قصة شخص ما تلامس روحك وتجعلك تعكسها على نفسك وحياتك؛ هو الحافز الحقيقي الذي يدفعني إلى الإبداع”.
من خلال إيمانه الكبير بالتجربة واحتمالية الخطأ، يولي أبو رزق البساطة والعفوية أهميّة كبيرة قبل البدء بصناعة الأفلام والاستغراق في عمله الإبداعي. يُضيف المخرج شارحاً “لا تكمن المهارة الحقيقية للفنان في مدى تعقيد فنه وإبداعه، بل تتجلى في مدى إتقانه لتجسيد أبسط اللحظات المؤثرة من خلال اللقطات التي يصورها”.
ثم يردف قائلاً “إنني أفضّل اللقطات العفوية والبسيطة التي تمنحكم فرصة التعرّف على الشخصية والتعمق في حياتها وفهم مشاعرها من خلال محيطها.”
وغني عن القول أنّ أكثر ما يميّز صانع الأفلام هذا ويجعله يشعر بالراحة والاستمتاع هو ردم الفجوة بين الجمهور وشخصياته الحقيقية بطريقة عفوية حقيقة وغير مفلترة. لطالما ركز المخرج في أعماله على الجانب الإنساني من الأشياء، ولا سيما سلسلته التي يطرح فيها أسئلة عشوائية على الغرباء.
يستحضر أبو رزق ذاكرته ليقول “في الواقع هذه الفكرة مستوحاة من صانع أفلام أردني أجهل اسمه ولم أعد قادراً على العثور على أي أثر له! أذكر أنني كنت في عام 2012 أشاهد مقطع فيديو تم تصويره في الأردن حيث كان يتم طرح سؤال على أشخاص لا على التعيين بما مضمونه “لو كان هذا آخر يوم في حياتك، كيف ستعيشه؟”.
ومن هذه الفكرة استوحى المخرج هذه الفكرة حيث فعل الشيء نفسه في وسط مجتمعه في الأردن.
لقد تعاون رزق مع مساعده في الإخراج عبد القادر عابد على تجسيد هذه الفكرة، حيث قضى أيامه يتجول في شوارع عمّان يطرح الأسئلة على جميع الناس من الأطفال إلى كبار السن، ويسألهم عن اللحظات المميّزة في حياتهم والتي كان لها أثراً كبيراً في تغييرها، ويجعلهم يتحدثون عن أحلام الطفولة وأكبر مخاوفهم.
وفي هذا السياق يقول أبو رزق “لقد التقينا برجل جالس بمفرده، وبالرغم من أنّه لم يكن يأبه للتصوير، إلا أننا تابعنا الحديث معه والتعرف على بعضنا البعض لاستحضار بعض ذكرياته.”
ثم أضاف “أخبرنا أن أحد والديه قد توفي قبل أيام قليلة، وأن هذا أول يوم يخرج فيه من منزله، وأنّ التحدث مع الغرباء يهون عليه الأمر. عندها شعرت بسعادة غامرة وامتتنان لأننا كنا هناك من أجله في الوقت والمكان المناسبين بالرغم من أنّ ذلك كان بشكل عفوي وغير مقصود”.
كما تشمل إبداعات المخرج سلسلة أخرى آسرة وهي “شوارع عمّان”. تتحدث كل حلقة عن شخصٍ واحدٍ وشارع، وتستكشف ذكريات أولئك الأشخاص والعلاقة العاطفية التي تربطهم بتلك الشوارع.
إلا أنّ عمّان ليست المكان الوحيد الذي يتطلّع أبو رزق لاستكشافه، فقد كان له في مصر وقفة خاصة حيث طرح على الناس سلسلة من الأسئلة العشوائية، وهو يأمل أن يقوم بجولة في المنطقة من أجل التواصل مع مختلف الأشخاص والتعرف إلى وجوه الاختلافات والتشابهات فيما بينهم.