تعرفت إلى مشهد موسيقى الراب في العالم العربي في عام 2017، حيث سمعت بعض الأغنيات، والتي كانت في الغالب نسخة من الأغاني القديمة التي انتشرت في الغرب: وهي أغاني تركّز بشكل كبير على النغمات والتلاعب بالألفاظ مع إيقاعات بطيئة.
وأذكر أن الفنانين كانوا يتحلون بجرأة كبيرة لنقل مواقفهم السياسية على كل الأصعدة من خلال كلمات أغانيهم، وهو الأمر الذي يفسر سبب إحجام المحطات الإذاعية عن بثها.
بعد أن أصبح الإنترنت متاحاً للأغلبية خلال أوائل العقد الأول من القرن الحالي، صار بإمكان محبي الموسيقى الاستماع إلى ومتابعة وحتى تقليد الفنانين المفضلين لديهم، سواء من الماضي أو الحاضر، كما أصبحوا متأثرين بأنماط موسيقية أوسع. ومع ظهور الكثير من الفعاليات والمبادرات المستقلة في جميع أنحاء المنطقة، تطورت موسيقى الراب والهيب هوب وانتشرت بين الناس وأصبحت تعكس صوتهم ورؤيتهم بشكلٍ أكبر. ورغم أن تلك الموسيقى لا تحمل رسائل سياسية صريحة ومباشرة إلا أنها لا تخلو من الروح الثورية التي تظهر بين الحين والآخر، كما نلاحظ أن القدرات الإنتاجية قد توسعت وتطورت لتلبية احتياجات شريحة أكبر من الجمهور، والآن لا يزال بإمكان عشاق المدرسة الموسيقية القديمة الاستمتاع بتلك الموسيقى، وفي نفس الوقت هناك ما يناسب ذوق عشاق الموسيقى العصرية البسيطة والسريعة.
وغني عن القول بأن أول مشهد موسيقي حظي باهتمام وسائل الإعلام الدولية كان المشهد المغربي، حيث اكتسب مغنو الراب أمثال عصام وتوتو والثنائي شايفين المولود في أسفي، وغيرهم الكثير شهرة واسعة وحققوا نسبة مشاهدة كبيرة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ مشهد الراب المغربي قد شهد ازدهاراً سريعاً، ونجح في جذب الجماهير من الغرب، ويمكن إرجاء ذلك إلى تشابه أصواتهم مع المغنيين العالميين الناطقين باللغة الإنجليزية. وبالرغم من اختلاف اللغة، إلا أن الإيقاع والآلات وحتى مقاطع الفيديو الموسيقية التي تم إنتاجها امتازت بتفاصيل اعتاد الجميع على رؤيتها – ولكنها مختلفة بما يكفي لجذب الناس إليها بدافع الفضول. ولكن هذا الأمر لا ينطبق على مصر.
لقد حولت السنوات الخمس الماضية القاهرة إلى عاصمة غير رسمية لموسيقى الراب، فقد شهدت البلاد ازدهاراً منقطع النظير في مشهد موسيقى الراب، حيث استحوذت على المراتب الأولى في ترتيب سباق الأغاني في المنطقة. كما اكتسب الفنانون مثل ويجز وأبيوسف ومروان بابلو ومروان موسى مكانة مرموقة في مشهد موسيقي فريد ومتناغم مع تاريخ البلاد الثقافي الطويل.
تشتهر الموسيقى الشعبية باسم”المهرجانات”، وهي نوع موسيقي يمزج بين الطبول والأصوات الموسيقية المستعارة والأصوات التي يتم ضبطها تلقائياً، بالإضافة إلى إيقاعات الراب المعتادة لابتكار أغاني تتميّز بروحها الخاصة. يمكنكم بسهولة تمييز الأغنية المصرية من هويتها السمعية الفريدة والمشهورة، مما يجعل التقاليد والحداثة يلتقيان في شكل صوتي واحد. كما يصور مغنو الراب واقعاً يمكن للجماهير التعرف عليه بسهولة، سواء من خلال اللغة أو اللحن بينما يحافظ على الثقافة المصرية الأصيلة.
وغني عن القول بأنّ هذا النوع من الموسيقى يخاطب قلوب وعقول وأرواح الشعب بطريقة أكثر فاعلية من أي شيء انتشر من قبل في الثقافة الشعبية المصرية. وهو ليس شيئاً سيئاً بل هو شيء يستحق احتضانه والاعتزاز به. وهذا ما يميزه.
في ظل استمرار ازدهار فرق موسيقية فلسطينية مثل بلاتنم، وبينما يواصل المغرب تقدمه في مشهد موسيقى التراب، تتفرّد مصر بنفسها بنوع مختلف من الهوية الخاصة بها.